السنة النبوية بين كيد أعدائها وجهل بعض أتباعها

أ. د: محمد محمود أحمد بكار

أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين فرع جامعة الأزهر بأسيوط

  العودة لصفحة المؤتمر 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِى لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران، الآية 102]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء، الآية 1]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب، الآيتان 70-71] (1)

أَمَّا بَعْدُ: 

فإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْى هَدْى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ(2)

«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ» (3) اللهم فقهنا فى الدين وعلمنا التأويل يا رب العالمين. سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا، وإنا نسألك أن تعلمنا من علمك، ونستودعك ما تعلمنا فذكرنا به وقت الحاجة يا رب العالمين. 

وبعد،

فمنذ القرون الأولى للإسلام، وهناك محاولات زرع الفتنة بين المسلمين وتفريق جمعهم، وتشتيت وحدتهم، وذلك بالطعن فى الصحابة حينًا وفى السنة حينًا آخر، وإذا تشكك المسلمون فى السنة وقللوا الثقة بها استعجم عليهم فَهْم القرآن ومعرفة حقيقة المراد منه، إذ السنة شارحة للقرآن ومبينة له، وإذا استعجم على المسلمين القرآن فقل على الإسلام والعروبة والمسلمين العفاء. 

وعلى الرغم من إجماع الأمة الإسلامية على أن السنة صِنْو القرآن، وأنها هى الحكمة المذكورة فى القرآن فى عديد من الآيات، وعلى الرغم مما هو معروف من أن الدين الإسلامى مستمد من الكتاب والسنة معًا عقيدة وأحكامًا، على الرغم من كل ذلك لم تسلم السنة من أقلام بعض المتهورين المتطرفين، وقد تبين من كثرة ما رددوا تلك المزاعم أنها لا تخرج عن عدة شبهات لا تزيد ولا تنقص، ولكن الجديد دائمًا هو تقديم بعض الشبهات وتأخير بعضها وفق حاجتهم إلى إثارة الفتنة بين المسلمين، فتارة يجادلون فى حجية السنة، وتارة فى حفظ السنة، وتارة يهاجمون أوثق مصنِّف ومصنَّف للسنة وهو الإمام البخارى وكتابه الصحيح، وتارة يهاجمون أبا هريرة لكثرة مروياته، وتارة يشككون فى أحاديث السحر والذباب، ولطم موسى لعين ملك الموت، وكل ما لا يوافق هواهم، ولا تقبله قلوبهم المريضة، وكلما أغلقنا دونهم بابًا راحوا يفتحون غيره، ولما طال السِّجال فى هذا المضمار، أرادوا أن يُخرجوا السنة من ساحة المواجهة بيننا وبينهم، فدلهم هواهم وشيطانهم إلى فكرة الاكتفاء بالقرآن. 

ورغم أن محاولات إضرام الفتنة لا تنجح فى النهاية، وربما ظن المدافع عن العقيدة الإسلامية أنه حقق انتصارًا، وأطفأ نار الفتنة، إلا أن نفخ أعداء السنة فى الرماد قد يعيد اشتعاله مرة أخرى، وكلما ضعفت الأمة؛ اشتد ساعد أعداء الإسلام، وكثرت سهامهم، وهكذا تعود الكرة دواليك ودواليك. 

وفى نفس الوقت ينشط فيه أدعياء الثقافة من أبناء جلدتنا والمحسوبين على الإسلام، للهجوم على السنة، ومحاولة إقصائها عن حلبة الدين الإسلامى، ولا يجدون غضاضة أن يدافعوا عن اكتمال القرآن واتساعه واستفاضته فى بيان كل شىء، ومرافعاتهم عن القرآن ليست حبًا فى كتاب الله، ولكن هدفها الحقيقى هو ضرب السنة، ولن ينالوا من مسعاهم إلا الخزى فى الدنيا، والهوان يوم القيامة، ولا يخفى أنهم سيهاجمون القرآن إذا حققوا أهدافهم الشيطانية، وقد فعلوا ولكن الله يحبط مكرهم دائمًا ويردهم على أعقابهم مدحورين(4)

إن هؤلاء اطَّلعوا على كثير من الأصول والمصنفات الإسلامية، ولكنهم منذ أن اطلعوا وكتبوا؛لم يحملوا بين جنبيهم إلا فؤادًا مليئًا بتكذيب الإسلام، فهم يدسون أصابعهم فى كل شىء ليتخذوا من أى شىء دليلا على أن محمدا صلى الله عليه وسلم كاذب، وقرآنه مفتعل وسنته مختلقة، والإسلام كله- منذ جاء إلى أن بلغنا- مجموعة مفتريات. ومن بهذه الصفة لا يجوز أن تكون له حرمة أهل العلم. 

وأحسن وصف لهم ولأمثالهم قول الأستاذ أحمد فارس الشدياق: " إن هؤلاء.. لم يأخذوا العلم عن شيوخه، وإنما تطفلوا عليه تطفلا وتوثبوا فيه توثبًا؛ ومن تخرج فيه بشىء فإنما تخرج على القسس، ثم أدخل رأسه فى أضغاث أحلام أو أدخل أضغاث أحلام فى رأسه، وتوهم أنه يعرف شيئا وهو يجهله، وكل منهم إذا درس فى إحدى لغات الشرق، أو ترجم شيئًا منها تراه يخبط فيها خبط عشواء، فما اشتبه عليه منها رقعه من عنده بما شاء، وما كان بين الشبهة واليقين حَدَس فيه وخمن، فرجح منه المرجوح وفضل المفضول"(5)

فأعداء السُّنة يريدون أن يصدوا المسلمين عن سُنة النبى صلى الله عليه وسلم، يريدون أن يصدوهم عن العلم النافع، إذ السنة فيها نجاحهم فى الدنيا وفلاحهم فى الآخرة. 

ولقد حاولوا إزالة السنن من الوجود والقضاء عليها – لو استطاعوا- أو أن يجعلوا وجودها وجودًا شكليًا فاقدًا للقيمة، إلا أنهم لم ينالوا خيرًا، ولم يستطيعوا أن ينالوا من السنة شيئًا؛ فانقلبوا خاسرين ومهزومين، مثلهم كمثل الذى يحاول قلع جبل أُحُد مثلا فأخذ يحوم حوله وفى سفحه لينقل من أحجاره حجرًا حجرًا ظنًا منه أنه يمكنه بصنيعه هذا قلع الجبل وإزالته من مكانه، أو كالذى يغترف من البحر اغترافًا بيده أو بدلوه، محاولا بذلك أن ينفد البحر أو ينقص. 

وما من شك أن هذا المسكين سوف تنتهى أوقاته ويجىء أجله المحدود والمحتوم، والجبل باق مكانه شامخًا ليصعد أصحاب الخبرة ويترددوا بين شعابه، ليعثروا على ما قد يخفى على غيرهم، بين تلك الشعاب المتنوعة التى لا يفطن لها غيرهم إذ لكل ميدان رجال. 

كما يبقى البحر ثابتًا مكانه ليغوص الغواصون من رجال هذا الشأن، فيخرجوا للناس اللآلئ والدرر من مسائل علم الحديث النافعة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. 

فبعد أن رضيت الأمة بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا، وأقبلت على تعاليم الإسلام وتوجيهاته من كتاب وسنة، تنهل من نميرهما حفظًا واعيًا وتطبيقًا صادقًا فى مجال العقيدة والعبادة والاقتصاد والحكم، فبلغوا بهذه الحياة على هذين المصدرين أوج العزة وقمة السعادة فى الدنيا والآخرة، ونعموا بحياة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية من العدالة والأخوة والمحبة الصادقة فى الله، والإيثار فى جنب الله والمساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع أجناس الأمم التى انضوت تحت لواء الإسلام، لا فرق بين عربيهم وعجميهم ولا بين أبيضهم وأسودهم وأحمرهم. 

فأثارت هذه الحياة الهنيئة الراضية مكامن الحسد والبغضاء والغيظ على هذه الأمم التى أصبحت أمة واحدة كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد؛ فشرع أولئك الحاقدون يحيكون الدسائس السياسية ويرسمون الخطط لزلزلة هذا البنيان المحكم وتحطيم أركانه سياسيًا واجتماعيًا وعقائديًا من عدة طرق. 

منها: الطعن فى الإسلام عمومًا وفى القرآن والسنة والصحابة الكرام. 

ومنها: اختراع الأحاديث الباطلة على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ حتى وصلت الأحاديث المكذوبة إلى ألوف مؤلفة، فتصدى لهم الجهابذة من أئمة نقاد الحديث، ففندوا أكاذيبهم وكشفوا عوارهم، فلم يتركوا كاذبًا ولا أحاديث مفتراة إلا سلطوا عليها الأضواء الإسلامية، وجعلوها تحت المجاهر فانكشف حالها وحال مخترعيها. 

بل امتد نشاط هؤلاء النقاد العباقرة إلى وضع قواعد متينة يُعرف بها الصحيح من السقيم؛ ولو كان غير كذب، وألفوا فى ذلك المؤلفات، ووضعوا قواعد للجرح والتعديل؛ تُميِّز الراوى العدل الضابط من الضعيف والمجروح، وألفوا فى ذلك المؤلفات، فبلغوا بهذه الأعمال الجليلة فى الحفاظ على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة درجة لا نظير لها فى تأريخ الإنسانية. 

وأضافوا إلى ذلك التأليف فى العلل والموضوعات، وقبلها التأليف فى الصحيح والحسن، فأصبح بذلك أمر السنة واضحًا كالشمس لا يلتبس فيه الصحيح بالضعيف، فضلا عن الموضوع والمختلق. 

وإلى جانب هؤلاء طوائف زائغة تبنت عقائد وأفكارًا باطلة. 

ومن المؤلم المؤسف جدًا أن وجدوا أنفسهم وعقائدهم فى مواجهة نصوص الكتاب والسنة؛ فلجأوا إلى التحريف والتأويل لنصوص الكتاب والمتواتر من السنة حتى تتفق هذه النصوص فى زعمهم مع معتقداتهم الباطلة، ولجأوا إلى وضع قواعد تدفع فى نحور السنن أحيانًا، وتلوى أعناقها أحيانًا إلى حيث توافق أهواءهم واتجاهاتهم الضالة الباطلة. 

فمن تلكم القواعد قولهم " إن أخبار الآحاد لا يُحتج بها فى باب العقيدة؛ لأنها لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن"، فكم أساءت هذه المقولة الباطلة إلى الإسلام، وكم أهانت من حديث عظيم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخفت به. وامتدت هذه القاعدة إلى جحود وإنكار قضايا عقدية تبلغ أدلتها حد التواتر، مثل: أحاديث نزول عيسى، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وأحاديث المهدى، وغيرها مما يؤدى إنكاره إلى هدم عقيدة الإسلام من أساسها، بل بعضها تطابقت فى الدلالة عليها نصوص الكتاب والسنّة، مثل: رؤية الله فى الدار الآخرة. 

ومن تلكم القواعد الضالة: " كل ما لم يوافق العقل وكل ما لم يوافق الذوق من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب رده "، ويجعلون من جهلهم بالكتاب والسنة ومن عقولهم القاصرة وأذواقهم الفاسدة موازين لأخذ ما شاءوا ورد شاءوا من أقوال أفضل الرسل وأعقل العقلاء الذى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، وكادت هاتان الطائفتان أن تنقرضا ولكن عزّ على أعداء الإسلام أن تخبو نار الفتنة وأن تضع الحرب الموجهة ضد الإسلام أوزارها. 

فهب أعداء الإسلام من يهود وماسونيين ومستشرقين ومستعمرين لإيقاظ هذه الفتنة من سباتها أو نبشها من قبورها المندثرة ثم بثها فى الشرق والغرب وفى صفوف أبناء الأمة الإسلامية؛ خصوصًا المثقفين والجامعيين وانضم إلى صفوف هؤلاء الأعداء سفهاء وأغبياء من أبناء جلدتنا ومن يتكلم بلغتنا، فكان هجومهم على السنة أشد وأعنف، وكانوا أشد خطرًا على الإسلام من أعداء الإسلام المكشوفين الواضحين. 

ولكن الله الذى تعهد بحفظ دينه قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر، الآية 9]، من أعداء الإسلام الواضحين، وأعداء السنن المندسين فى صفوف الإسلام، واللاهثين وراءهم- بالمرصاد. 

فكما جند لحماية السنة المطهرة فى السابق جنودًا من أئمة الحديث والسنة مخلصين، فدحرت جيوش الباطل وجنود إبليس فى السابق، فكذلك جنَّد فى اللاحق وفى هذا العصر بالذات من يتصدى لهؤلاء المتربصين بالسنن النبوية والعقائد الإسلامية من يدحرهم ويردهم على أعقابهم خاسئين قال تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[سورة الصافات، الآيات 171- 173]

فلقد هبَّ حماة الإسلام فى السابق واللاحق يدافعون عن سنن المصطفى، ويهاجمون خصومها حتى ترتفع كلمة الحق ويزهق الباطل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [سورة الإسراء، الآية 81] ففى السابق كان علماء الحديث والسنة وعلى رأسهم: الشافعى (ت 204هـ)، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ)، وابن قتيبة (ت 276هـ)، والطحاوى (321 هـ)، ثم ابن تيمية (ت 728هـ)، وابن القيم (ت 751هـ)، جنودًا بواسل فى دحر هذه الشراذم الضالة. 

وفى العصر الحاضر هبَّ لدحرهم علماء السنة الفضلاء مثل: الأستاذ محمد عبد الرزاق حمزة، وعبد الرحمن المعلمى، وعلامة الشام ومحدثها الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى، والشيخ أبو شهبة،.... وغيرهم من الغيورين على الإسلام والسنَّة. 

ولا يزالون- ولله الحمد- بالمرصاد لكل من يرفع رأسه بفتنة أو بشغب على الإسلام من قريب أو بعيد ويريد النيل من القرآن والسنة. (6)

تعريف الشبهة لغة واصطلاحًا 

الشُبهة لغةً: "من أشبه الشىء الشىء أى: ماثله فى صفاته، والشَّبَه والشِّبْه والشّبيه: المثل، والجمع: أشباه، والتشبيه: التمثيل، والشبهة: المأخذ الملبس، والأمور المشتبهة أى المشكلة لشبه بعضها ببعض. 

والشُّبْهةُ: اسم من الاشتباه وهو الالتباس، والمُشْتَبِهاتُ من الأمور المشكلات(7) ، وشَبَّهَ الشىء إِذا أَشْكَلَ، وقال الليث: المُشْتَبِهَاتُ من الأُمُور المُشْكِلاتُ (8)

وشَبَّهَ عليه الأمر: أبهمه عليه حتى اشتبه بغيره، واشْتَبَهَ الأمر عليه: اختلط، يقال: اشتبهت الأمور وتشابهت: التبست فلم تتميز ولم تظهر، ومنه اشتبهت القبلة ونحوها، والجمع فيها شبهٌ وشبهاتٌ. 

وفى اصطلاح الفقهاء: ما التبس أمره، فلا يدرى أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل(9)

أما ما يثيره أعداء الإسلام فصلته بهذا التعريف أن يقال: "إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسنة بعقلياتهم التى هى فى الحقيقة جاهليات؛ إنما يبنون أمرهم فى ذلك على أقوال مشتبهة محتملة تحتمل معانى متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه فى المعنى والإجمال فى اللفظ يوجب تناولها بحق وباطل، فبما فيها من الحق يقبل من لم يُحط بها علمًا ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء، وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع كلها، فإن البدعة لو كانت باطلا محضًا لما قبلت ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها، ولو كانت حقًا محضًا لم تكن بدعة وكانت موافقة للسنة، ولكنها تشتمل على حق وباطل ويلتبس فيها الحق بالباطل كما قال تعالى {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [سورة البقرة، الآية 283].

فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه، ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذى يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل فى صورة الحق، وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل، فهذا من الإجمال فى اللفظ، وأما الاشتباه فى المعنى فيكون له وجهان، هو حق من أحدهما وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل، فأصل ضلال بنى آدم من الألفاظ المجملة والمعانى المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهانًا مخبطة فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؛ فسل مثبت القلوب أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك فى هذه الظلمات (10)

وأستطيع أن أقول فى تعريف الشبهات: "ما يثيره أعداء السنة من شكوك يُلبسون فيها الحق بالباطل بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وتشكيكهم فى نصوص شريعتهم". 

سبب عداء هؤلاء للسنة 

(1) الجهل بالسنة فقديمًا قالوا: من جهل شيئًا عاداه. 

بل إن جهلهم جهل مركب؛ والطلاب الصغار يحفظون أن حمار الحكيم "توما" أحسن منه حالا، برغم حكمته وهيبته. 

قال حمار الحكيم "توما" لو أنصف الدهر كنت أركب
فإننى جاهل بسيط وصاحبى جهله مركب!

وللجهل المركب مضاعفات وخيمة الأثر شديدة الخطر، والجهل المركب هو نوع من العلم الخطأ، فعدم العلم بشىء ما جهل بسيط، والعلم بهذا الشىء على خلاف الواقع جهل مركب. 

ومن مضاعفات هذا الجهل أن تخدع به الأغرار، وأن تبذل الجهود لإشاعته ومد رقعته، وأن تزاحم به العلم الصحيح، حتى يضيق الخناق على الحقيقة فتزهق، وينفسح المجال أمام الباطل فيخلو الجو لتضليله وتضطرب الحياة بوساوسه.

هذا الجهل الموجه أو هذا العلم الموجه، عنوان صادق للبحوث التى كتبها عن الإسلام كثير من المستشرقين وكثير من أذيالهم وروجوها بين قومهم؛ ليرضوا ضغائنهم على الإسلام، ويشيعوا سخائمهم على نبيه الجليل الكريم. 

وكتَّاب هذه البحوث لم يدخلوا ميدان العلم وبين حناياهم ضمائر سليمة، بل لم تخامرهم يومًا نية التجرد للحق والإخلاص فى طلبه. 

(2) خدمة الاستعمار الذى يريد أن ينال من الإسلام وأهله. 

أعداء السنة موظفون فى إدارات الاستعمار، فهمهم الغالب أن يلوثوا سمعة الإسلام، وأن يسوغوا المظالم النازلة بأهله، وذلك بإظهارهم وكأنهم أتباع رجل مبطل ودين مظلم؛ المستعمرون يسخِّرون قواهم المادية لسحق هذه الأمة. والمستشرقون يقدمون الأسباب العلمية والتاريخية لهذا العدوان بأن يُظهروا هذا الدين وأصحابه فى شكل منكر، ويغلفوا أصوله وفروعه بحشد لا آخر له من الأكاذيب، حتى تبدو وكأنها بقايا خرافات يجب محوها محوًا. ومن دسائس الاستعمار فى الشرق الإسلامى أنه مهَّد بين يدى هذه البحوث المزورة، فجعل فريقًا منا يُقبل عليها، ويقبل بعض ما جاء بها(11)

والعلمانيون يرددون ما أملاه عليهم أسيادهم من المستعمرين والمستشرقين فمثلهم كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون. 

وهؤلاء على حد تعبير الشيخ محمد الغزالى - رحمه الله تعالى -: سفراء فوق العادة لليهود والنصارى، والفرق بينهم وبين السفراء الرسميين أن هؤلاء لهم تقاليد تفرض عليهم الصمت، وتصبغ حركاتهم بالأدب، أما أولئك السفراء فوظيفتهم الأولى أن يثرثروا فى الصحف وفى المجالس، وأن يختلقوا كل يوم مشكلة موهومة ليُسقطوا من بناء الإسلام لبنة، وليذهبوا بجزء من مهابته فى النفوس، وبذلك يحققون الغاية الكبرى من الزحف المشترك الذى تكاتفت فيه الصهيونية والصليبية فى العصر الحديث، إن هؤلاء النفر من حملة الأقلام الملوثة أخطر على مستقبلنا من الأعداء السافرين، فإن النفاق الذى برعوا فيه يخدع الأغرار بالأخذ عنهم، وقد يقولون كلمات من الحق تمهيدًا لألف كلمة من الباطل تجىء عقيبها(12)

أصناف أعداء السنة، وهدفهم 

والمتأمل فى أحوال هؤلاء القوم يجد أن بينهم وبين العلم المتعمق فى السنة وعلومها بونًا شاسعًا، وليس بينهم وبينها من صلة إلا بمقدار قراءتهم لها فيما تمس الحاجة إليه منها. 

(1) المستشرقون 

والمستشرقون أدمغة الحملات الصليبية الحديثة، وشياطين الغزو الثقافى للعالم الإسلامى، ظهروا فى حلبة الصراع فى فترة كان المسلمون فيها يعانون من الإفلاس الحضارى والخواء الروحى وفقدان الذات، مما جعل الفرصة سانحة لأولئك الأحبار الرهبان، وجنود الصليبيين الموتورين؛ كى يثأروا لهزائمهم الماضية وينفثوا أحقادهم الدفينة(13)

حاول المستشرقون تشكيك المسلمين فى دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أخل بما تكفل به من حفظ دينه، وأن سلف الأمة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل. 

فقد نشط المستشرقون فى نشر ما يدعو إلى التشكيك حول السنة النبوية بدعوى أن المحدِّثين اقتصروا على الدراسة الخارجية فى التصحيح والتعليل، حيث إنهم نظروا بدقة متناهية إلى السند ورجاله دون المتون وما قد يقع فيها من كذب وافتراء وانتحال من قبل المتهمين والمغرضين، وتغلغلت هذه الفكرة الخاطئة فى عروق بعض أبناء هذه الأمة (14)

وهذه بعض أسماء المستشرقين الذين طعنوا فى السنة. 

(1) اجناز جولدزيهر: يهودى مجرى من أخطر المستشرقين وأشدهم هجومًا، وهو عضو بارز من محررى دائرة المعارف الإسلامية، ولد 1850م وهلك عام 1921م، درس فى مدارس اللغات (برلين، ليبزج، فينّا) رحل إلى سوريا عام 1873م، وتتلمذ على يد الشيخ طاهر الجزائرى، ثم رحل إلى مصر حتى تضلَّع فى العربية، له دراسات فى القران والحديث وعلومه، والفقه وأصوله , آراؤه عفنة، وبحوثه مسمومة، وهجومه عنيف على المقررات العلمية الثابتة(15)

له كتاب العقيدة والشريعة فى الإسلام. 

وهو كتاب ملأه مؤلفه بالأحقاد والضغائن ضد الإسلام، وهذا المستشرق مكث بضع عشرة سنة يقرأ ويتعمق ويحيط بمفاهيم الإسلام حتى أخرج كتابه المذكور؛ وقد افترى هذا المستشرق - باسم التحقيق التاريخى - على الإسلام افتراء لا حد له، وأحصى عشرات الشبهات ونظمها فى سلك واحد باسم التطور العقدى والتشريعى. 

وقد كشف الشيخ الغزالى أن كتاب هذا المستشرق من شر ما كُتِب عن الإسلام وأسوأ ما وُجِّه إليه من طعنات. 

(2) جوزيف شاخت: ألمانى متعصب ضد الإسلام وهو أحد محررى دائرة المعارف الإسلامية، له كتب فى الفقه أشهرها (أصول الفقه الإسلامى) (16)

(3) هنرى لامنس اليسوعى 1872 - 1937م: فرنسى، متعصب، له كتاب الإسلام وله كتاب الطائف، من محررى دائرة المعارف الإسلامية. 

(4) مرجليوث 1885 - 1940م: إنجليزى متعصب، من مدرسته طه حسين وأحمد أمين، وله كتاب التطورات المبكرة فى الإسلام صدر 1913م. وله محمد ومطلع الإسلام صدر 1905م وله الجامعة الإسلامية صدر 1912م. 

(2) العلمانيون 

فقد ابتلينا هذه الأيام بشرذمة من العلمانيين وجماعة من المبتدعة الضالين، همهم التشكيك فى المقدسات، والطعن فى السنة، سلوا سيوف الحقد على العمود الثانى من أعمدة الإسلام، وذلك بالطعن فى رجال السنة الأعلام حينًا، وبالطعن فى كتب السنة حينًا آخر. 

وستأتى لهؤلاء بعض المؤلفات التى تبين مدى تلاقى أفكارهم مع المستشرقين. 

(3) الفرق الضالة 

فقد تهجم طوائف من أهل البدع على السنة وأهل الحديث بسبب زيغهم فى فهم الأحاديث على وجهها؛ حتى اتهموا المحدثين بحمل الكذب ورواية المتناقض ونسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (17)

(4) غير المتخصصين فى السنة:

فهم ما بين خطيب، وفقيه، وأديب، وطبيب، وقانونى، ومتكلم، ومؤرخ، وغيرهم من الذين لم يتخصصوا فى السنة وعلومها، وإنما تخصصوا بغيرها من شتى الفنون، وقد يكون هناك الدعى على العلم والعلماء، ولم يتخصص فى شىء سوى الافتراء على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين(18)

سبب سير بعض الكتاب المسلمين وراء المستشرقين وغيرهم: 

انخداعهم بالمستشرقين وبأعداء الدين. يقول الدكتور مصطفى السباعى – رحمه الله تعالى - ".. ومن المؤسف أن يسير وراء أعداء الإسلام فى الحاضر - فئة ممن لا نشك فى صدق إسلامهم من العلماء والكتاب، ولكنهم منخدعون بمظهر التحقيق العلمى "الكاذب" الذى يلبسه هؤلاء الأعداء من المستشرقين والمؤرخين والغربيين عن حقيقة أهدافهم ومقاصدهم، فإذا هم – وهم مسلمون – ينتهون إلى الغاية التى يسعى إليها أولئك – وهم يهود أو مسيحيون أو استعماريون – من إشاعة الشك والريبة فى الإسلام وحملته، من حيث يدرون أو لا يدرون، فالتقى أعداء الإسلام وبعض أبنائه على صعيد واحد، لا يشرِّف هؤلاء ولا أولئك، لا فى ميدان العلم ولا فى سجل التاريخ. 

ومن الملاحظ أن هؤلاء الذين ينخدعون من المسلمين بالمستشرقين والمؤرخين والكاتبين من أعداء الإسلام الغربيين، لا يوقعهم فى الفخ الذى نصبه لهم هؤلاء إلا أحد أربعة أمور غالبًا: 

(1) إما جهلهم بحقائق التراث الإسلامى، وعدم اطلاعهم عليه من ينابيعه الصافية. 

(2) وإما انخداعهم بالأسلوب العلمى "المزعوم" الذى يدعيه أولئك الخصوم. 

(3) وإما رغبتهم فى الشهرة والتظاهر بالتحرر الفكرى من ربقه التقليد كما يدعون. 

(4) وإما وقوعهم تحت تأثير أهواء وانحرافات فكرية لا يجدون مجالا للتعبير عنها إلا بالتستر وراء أولئك المستشرقين والكاتبين بتلقف آرائهم الفاسدة ومبادئ مذاهبهم الباطلة وترديدها كالببغاء، متوهمين أن ذلك فيه عز للإسلام والمسلمين، فأضروا بأنفسهم وبغيرهم وشغبوا على دينهم، وأحدثوا بلبلة فكرية، حار فيها العوام وأنصاف المتعلمين(19)

ويضيف فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود عبد اللطيف عاملا خامسًا وهو: 

(5) جهلهم بالسنة النبوية وعلومها، وإن كان بعضهم برز فى تخصصه ومجاله العلمى الدقيق، وهؤلاء هم أدعياء العلم بالسنة النبوية الذين قرؤوا فيها قراءات عابرة لا تنهض من كبوة أو تبعث من رقدة، فعرفوا منها القشر دون اللباب، وخيل إليهم أنهم أعلم الخلق فى هذا الباب، وليس بالضرورة أن يكون أدعياء العلم بالسنة أتباعًا لواحد من هذه المذاهب الهدَّامة، أو لبعضها فى كل أصولها العقائدية؛ لأنهم قوم نشهد لهم بقوة الدين وتمام الفضل، لكنهم – فيما نراه – قلدوا غيرهم فى بعض أفكارهم المنحرفة من غير تروٍ أو تعمق، وإن غالوا فى اعتزازهم بآرائهم، وسفهوا عقول مخالفيهم، وحملوهم عليها بقوة اللهجة والأسلوب(20)

منهج أعداء السنة فى الشبهات 

نستطيع أن نجمل منهجهم فيما يلى: 

(1) الكذب والتلاعب فى النصوص. فقد مارس هؤلاء الكذب فى نقدهم لهذا الدين. 

(2) تحريف النصوص. فقد حرفوا كثيرًا من الكلم عن مواضعه بهدف التشكيك فى السنة، فيلجأ هؤلاء أيضًا إلى تحريف ألفاظ النصوص كما سنرى من خلال تعاملهم مع النصوص. 

(3) المغالطة فى الاستدلال، فلديهم مغالطات عديدة فى استدلالاتهم الفاسدة. 

وسائلهم فى الطعن فى السنة: 

(1) التشكيك فى الأحاديث الصحيحة التى يوهم ظاهرها التعارض. 

(2) ومن تلك الوسائل التى اتخذها أعداء الإسلام للطعن فى السنة وإسقاط الثقة بها. 

                (أ) الطعن فى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

                (ب) الطعن فى السنة بدعوى الاستغناء عنها بالقرآن. 

                (ت) الطعن فى السنة الأحادية. 

              (ث) الطعن فى حَمَلة الأحاديث ورواة السنن من صحابة رسول الله حتى شككوا فى عدالة الصحابة عمومًا، وكالوا التهم والافتراءات لبعضهم على وجه الخصوص. 

وغرضهم من ذلك تقويض صرح الإسلام، وزعزعة الثقة بأصوله، فإن الصحابة رضى الله عنهم هم الذين أبلغونا هذا الدين، وإذا زالت الثقة عنهم أصبح كل الذى بين أيدينا مشكوكًا فيه...، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم الزنادقة ". 

(3) الطعن فى أهل السنة من المحدثين والفقهاء الأصوليين وسائر أئمة المسلمين -رضوان الله عليهم أجمعين. 

(4) أكثر ما يعتمدون عليه فى الطعن فى السنة من غير الشبه والشكوك فهو حكاية عرض الحديث على "العقل" وهى حكاية قديمة نادى بها المعتزلة، وتبعهم عليها المستشرقون وتلاميذهم أمثال أحمد أمين وأبى رية وغيرهم كثير. 

خطورة هذه الشبهات: 

(1) انخداع العامة وغير المتخصصين بها، فهى تشككهم ببعض الثوابت، إن لم يسمعوا أدلة أهل السنة. 

(2) التشكيك فى الدين والطعن فى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم، لأنها ترمى إلى هدم العقائد. 

(3) إنجاح مخططات أعداء الإسلام التى تهدف إلى النيل من الدين وإضعافه فى نفوس الشباب. 

(4) عودة بعض الأفكار الدخيلة على الإسلام، كالأفكار الاعتزالية، ومن هنا ندرك خطورة تأثر بعض علماء المسلمين الأجلاء من رواد المدرسة العقلية الحديثة بالفكر الاعتزالى ومنهجه فى تعامله مع النصوص قرآنًا، وسنة. 

ثمار هذه الشبهات 

لا شك أن الداء يجعلنا نبحث عن الدواء، ورب ضرة نافعة، وربما كان حسد الحسود سبب انتشار فضل محسوده، فقد قيل: 

وَإِذا أَرادَ اللّهُ نَشرَ فَضيلَةٍ طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
لَولا اِشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ

ومن هنا ظهرت هذه الثمار والتى منها: 

(1) ظهور كثير من المؤلفات التى ترد على أعداء السنة. 

(2) عظم منزلة أهل الحديث القدامى والمعاصرين. 

(3) الاهتمام بالأحاديث المشكلة التى ظاهرها يُوهم التعارض. 

(4) بروز محاسِن الإسلام واتِّضاح جماله وكماله وبيان عدله ورحمته. 

كلام نفيس لابن الوزير يبين مكانة الحديث وأهله 

ولله در ابن الوزير اليمانى صاحب العواصم والروض الباسم حين قال عن الحديث "فإنه علم الصّدر الأوّل، والذى عليه بعد القرآن المعوّل؛ وهو لعلوم الإسلام أصل وأساس؛ وهو المفسّر للقرآن بشهادة {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [سورة النحل، الآية 44]؛ وهو الذى قال الله فيه تصريحًا {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْى يُوحَى} [سورة النجم، الآية 4]؛ وهو الذى وصفه الصّادق الأمين، بمماثلة القرآن المبين؛ حيث قال فى التوبيخ لكل مترف إمّعة «إنى أوتيت القرآن ومثله معه»(21)؛  وهو العلم الذى لم يشارك القرآن سواه، فى الإجماع على كفر جاحد المعلوم من لفظه ومعناه؛ وهو العلم الذى إذا تجاثت الخصوم للرّكب، وتفاوتت العلوم فى الرتب، أصمَّت مِرْنانُ(22) نوافله كل مناضل، وأَصمَّت برهان معارفه كل فاضل؛ وهو العلم الذى ورثه المصطفى المختار، والصحابة الأبرار، والتابعون الأخيار؛ وهو العلم الفائضة بركاته على جميع أقاليم الإسلام، الباقية حسناته فى أمة الرسول –عليه الصلاة والسلام-؛ وهو العلم الذى صانه الله عن عبارات الفلاسفة، وتقيَّدت عن سلوك مناهجه فهى راسفة (أى: مقيّدة) فى الأغلال آسفة؛ وهو العلم الذى جلى للإسلام به فى ميدان الحجّة وصلى، وتجمَّل بديباج ملابسه من صام لله وصلَّى؛ وهو العلم الفاصل حين تلجلج الألسنة بالخطاب، الشاهد له بالفضل رجوع عمر بن الخطاب(23) ؛ وهو العلم الذى تفجّرت منه بحار العلوم الفقهية والأحكام الشّرعية، وتزينت بجواهره التفاسير القرآنية، والشواهد النحوية، والدقائق الوعظية؛ وهو العلم الذى يميز الله به الخبيث من الطيب، ولا يرغم إلا المبتدع المتريب؛ وهو العلم الذى يسلك بصاحبه نهج السلامة، ويوصله إلى دار الكرامة، والسارب(بالسين المهملة، أى الذاهب) فى رياض حدائقه، الشارب من حياض حقائقه، عالم بالسنة، ولابس من كل خوف جنة، وسالك منهاج الحق إلى الجنة؛ وهو العلم الذى يرجع إليه الأصولى، وإن برز فى علمه، والفقيه وإن برز فى ذكائه وفهمه، والنحوى وإن برز فى تجويد لفظه، واللغوى وإن اتسع فى حفظه، والواعظ المبصر، والصوفى والمفسر، كلهم إليه راجعون، ولرياضه منتجعون(24)

وشبهات أعداء الإسلام حول السنة من حيث هى لا تشكل خطرًا عليها، لأنها قلعة راسخة لا تؤثر فيها الشبهات، وإن كانت قد ألحقت بعقول بعض المسلمين نوعًا من الأذى. ولكن الخطورة فيها أنها استغلت للتشكيك فى الدين والطعن فى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم. وإننا نقول كما قال الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه " لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَاية هذه الشبه وَبيان فَسَادِهِا صَفْحًا لَكَانَ منا رَأْيًا مَتِينًا وَمَذْهَبًا صَحِيحًا. 

إِذْ الإِعْرَاضُ عَنْ الْقَوْلِ الْمُطَّرَوحِ أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ؛ غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ الشبهات التى يروجها أعداء الإسلام - رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ هذه الشبه وَرَدَّها بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ الرَّدِّ؛ فذلك نصح للأنام، وَأَحْمَد لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى. 

ولما كانت شبهات خصوم السنة وافتراءاتهم حول حجية السنة المطهرة، ووسائلهم فى الكيد لها كثيرة لا حصر لها ولا عد، وإذا كنا لن نستطيع أن نتتبع كل ناعق ينعق فى دين الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجب على كل مسلم أن يتنبه إلى حجر الزاوية الذى يرتكزون عليه فيحطمه ويسحقه، ويبحث عن القاعدة التى ينطلقون منها؛ فيخربها ويدمرها على من فيها. 

أهم المؤلفات التى ألفت للطعن فى السنة: 

(1) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة لخليل عبد الكريم. 

(2) قراءة للإسلام من جديد لنهرو عبد السلام طنطاوى. 

(3) أهل السنة شعب الله المختار لصالح الوردانى. 

(4) تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تلزم لجمال البنا. 

(5) نحو ثورة فى الفكر الدينى لمحمد النويهى. 

(6) من الأحاديث الآحاد الموضوعة على الرسول صلى الله عليه وسلم والدخيلة على الإسلام للدكتور محمد عادل، وهو كتاب جُل أحاديثه إن لم يكن جميعها من الصحيحين طعن فيها صاحب الكتاب وردها. 

(7) صحيح صحيح البخارى تخريج وتحقيق جواد موسى محمد عفانة. 

ومن المعلوم أن صحيح البخارى به سبعة آلاف حديث تقريبًا اختصره المؤلف إلى ألفين ومائتين وثمانية أحاديث واعتبر أن هذه هى الصحيحة وما عداها غير صحيح. 

(8) الأضواء القرآنية فى اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخارى منها للسيد صالح أبى بكر. 

ويلاحظ أن هذه الكتب السابقة عليها ردود لبعض علماء المسلمين؛ إلا أنها بحق ردود فردية كنا نود من المؤسسات الدينية أن تنهض للردود على هذه الكتب لما لهذه المؤسسات من ثقل دينى واجتماعى، ومما يؤسف حقًا أن بعض هذه المؤلفات فى الطعن فى السنة كانت من تأليف أحد من ينتمون إلى هذه المؤسسات التى الأصل فيها أنها تحمى المقدسات والثوابت والتراث لكنها تعرض عن ذلك صفحًا وكأن شيئًا لم يحدث. 

أهم المؤلفات التى ألفت فى الدفاع عن السنة 

هيأ الله تعالى لهذه الأمة جهابذة ورجالا فى القديم والحديث صانوا السنة من عبث العابثين، ومن افتراءات المغرضين، فبيَّنوا الحق من الباطل والصحيح من السقيم، وذادوا عن حياض السنة المطهرة وفندوا وردوا على شبهات أولئك الطاعنين بالحجة والبرهان. 

فقد ألف الشافعى (ت 204 هـ) كتاب " الرسالة " وهو صاحب السبق فى هذا الباب وصاحب الإجادة والإتقان فيه. 

وتبعه الإمام أحمد (ت 141هـ) فصنَّف "طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم " ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن فى معارضة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها. 

ثم قفَّاهما أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276هـ) فألف كتابه " تأويل مختلف الحديث " ردَّ فيه على أعداء السنة وبخاصة المعتزلة. 

ثم تلاهم محمد بن نصر المروزى (ت 294هـ) فصنّف كتابه " السنة " وأجاد فيه وأفاد ووصل إلينا ناقص الأول. 

وألّف ابن عبد البر (ت 463هـ) " جامع بيان العلم وفضله " وضمنه أبوابًا كثيرة فى الحث على لزوم السنة والدفاع عنها. 

ثم جاء بعدهم أبو المظفر السمعانى (ت 562هـ) فألف كتابه المستطاب " الانتصار لأهل الحديث ". 

ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 652هـ) فصنّف منهاج السنة وأبدع فيه. 

وأتى بعده تلميذه ابن قيم الجوزية (ت 728هـ) فحرّر كتابه " الصواعق المرسلة " وبحث فيه مسألة خبر الواحد بما لا مزيد عليه، كما صنَّف " إعلام الموقعين " وخصص مئات الصفحات للذبِّ عن السنن. 

وألف محمد بن إبراهيم الوزير اليمنى (ت 840هـ) " العواصم والقواصم " واختصره فى "الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم". 

وألّف السيوطى (ت 911هـ)" مفتاح الجنة فى الاعتصام بالسنة " أو "الاحتجاج بالسنة". 

وألّف الدكتور مصطفى السباعى "السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامي". 

وألّف الدكتور عبد الحليم محمود (... - 1398 هـ) " السنة ومكانتها فى التشريع ". 

وكتب عبد العزيز بن راشد آل حسين (... - 1403 هـ) " رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد ". 

وألف الدكتور محمد أمان الجامى " السنة ومنزلتها فى التشريع الإسلامي". 

وأعدّ صالح أحمد رضا رسالة بعنوان " ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها"

وكتب محمد عبد الرزاق حمزة " ظلمات أبى رية " وأبو ريّة أنكر السنة إنكارًا كليًا. 

وردّ عليه أيضًا عبد الرحمن بن يحيى المعلَّمى فى كتابه " الأنوار الكاشفة لما فى كتاب أضواء السنة من التضليل والمجازفة " وكتب عبد الغنى عبد الخالق " حجية السنة ". 

وألّف محمد محمد أبو شهبة " دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين ". وكتب تقى الدين الندوى " السنة مع المستشرقين والمستعربين ". 

وأعدَّ الدكتور أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطى رسالة بعنوان " خبر الواحد وحجيته " طُبع فى الجامعة الإسلامية، ونشرت رابطة العالم الإسلامى كتابًا بعنوان " موقف الجمهوريين من السنة "، كما نشرت " السنة فى مواجهة الأباطيل " لمؤلفه محمد طاهر حكيم. 

كما كتب الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى ثلاث رسائل إحداها " الحديث حجة بنفسه فى العقائد والأحكام "، والثانية " منزلة السنة فى الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن "، والثالثة "وجوب الأخذ بحديث الآحاد فى العقيدة والأحكام". 

وكتب عبد المتعال محمد الجبرى "حجية السنة ومصطلحات المحدثين وأعلامهم". 

وألّف محمد الصادق بن محمود بسيّس التونسى "دفاعًا عن السنة النبوية". 

وكتب صلاح الدين مقبول " زوابع فى وجه السنة قديمًا وحديثًا ". 

وألّف محمد لقمان السلفى " مكانة السنة فى التشريع الإسلامى ". 

وصنّف أبو عبد الرحمن القاضى بَرهُون " خبر الواحد فى التشريع الإسلامي"

وأعدّ الأمين الصادق الأمين رسالة ماجستير بعنوان " موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ". 

وألّف عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين " أخبار الآحاد فى الحديث النبوى حجيتها، مفادها، العمل بموجبها " وهى رسالته الماجستير. 

وكتب عبد العزيز بن فيصل الراجحى " قدوم كتائب الجهاد لغزو أهل الزندقة والإلحاد القائلين بعدم الأخذ بحديث الآحاد فى مسائل الاعتقاد ". 

وألّف خادم حسين إلهى بخش كتابه المستطاب " القرآنيون وشبهاتهم حول السنة " وهو رسالته الماجستير(25)

وكتب الدكتور: عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى " كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها ". 

ولصاحب هذه الورقات بحث من قضايا السنة " دفاع عن حديث لطم موسى لعين ملك الموت ". 

وللدكتور محمد سيد شحاته موقف الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالى من السنة النبوية عرض ونقد. 

وللدكتور: البدرى عبد المجيد " مجتمع الصحابة فى كتابات أعداء الإسلام ". 

وللدكتور: أحمد سعيد عبد الله " ضوابط النظر العقلى فى السنة النبوية ". 

وللأستاذ الدكتور محمد محمود بكار والدكتور محمد سيد شحاته " شبهات حول السنة النبوية والرد عليها ". 

إلى غير ذلك من المؤلفات النافعة التى زخرت بها المكتبة الإسلامية جزى الله مؤلفيها خير الجزاء. 

وبعد هذا العرض للكتب التى طعنت فى السنة والكتب التى ردت أذكر أهم الشبهات الباطلة التى يثيرها ويبثها أعداء الإسلام وأعداء المسلمين: 

الشبهة الأولى: الاكتفاء بالقرآن. 

الشبهة الثانية: السنة لم يتكفل الله بحفظها. 

الشبهة الثالثة: عرض السنة على القرآن. 

الشبهة الرابعة: تعارض السنة مع القرآن. 

الشبهة الخامسة: السنة لم تدون إلا بعد مائتى سنة. 

الشبهة السادسة: السنة نتاج مذهبى وسياسى. 

الشبهة السابعة: فى السنة أحاديث تخالف الواقع العملى والاجتماعى. 

الشبهة الثامنة: دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن والرد على ذلك. 

الشبهة التاسعة: شبهة رواية الحديث بالمعنى وأن ذلك يفقد الاحتجاج بها. 

الشبهة العاشرة: دعوى أن أخبار الآحاد لا يحتج بها فى العقائد والرد عليها. 

الشبهة الحادية عشرة: الطعن فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الشك بالوحى. 

الشبهة الثانية عشرة: شبهات حول عدالة الصحابة، وحول بعض الصحابة كأبى هريرة ومعاوية. 

الشبهة الثالثة عشرة: شبهات حول أئمة الحديث كالزهرى والبخارى. 

الشبهة الرابعة عشرة: شبهات حول بعض النصوص مثل: 

          (1) لولا حواء لم تخن أنثى زوجها. 

           (2) حديث إذا وقع الذباب. 

           (3) رهن النبى درعه. 

           (4) أمرت أن أقاتل الناس. 

           (5) من بدل دينه فاقتلوه. 

          (6) أحاديث عذاب القبر. 

         (7) حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم. 

         (8) حول حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام. 

        (9) حول حديث المهدى. 

        (10) حول حديث خروج الدجال. 

        (11) حول حديث رضاع الكبير. 

        (12) حول أحاديث الشفاعة. 

        (13) حول أحاديث الطب. 

       (14) حول حديث المجبوب. 

      (15) حول حديث خلق الله التربة يوم السبت. 

إلى غير ذلك من الشبهات الباطلة التى ردها علماء السنة ورد الله كيد هؤلاء فى نحرهم فلم ينالوا خيرًا فى دنيا ولا فى دين. 

وسأتخير بعض هذه الشبهات بشىء من التفصيل لتتضح الشبهة، ويتم الرد عليها، وكيف يتم الرد عليها من أهل الاختصاص، وهم أهل الحديث. 

وإليك بعضها:

شبهة عرض السنة على القرآن والرد عليها:

من شبهات أعداء السنة تمسكهم بجملة أخبارٍ منسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم تؤيد بحسب زعمهم - ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بالسنة، ووجوب عرض ما جاء فيها على كتاب الله. 

وهذه دعوى قديمة دس أعداء السنة أصابعهم فى تاريخ أسلافهم فاستخرجوا ما يروج لدعوتهم الخبيثة يقول الشيخ أبو شهبة: "وقد حاول بعض المستشرقين وأتباعهم الذين صنعهم الاستعمار على يديه أن يحيوا ما اندرس من هذه الدعوة الخبيثة، ولكن الله سبحانه قيض لهؤلاء فى الحديث – كما قيض لأسلافهم فى القديم – مَن وضع الحق فى نصابه، ورد كيدهم فى نحورهم(26)

هذا وقد استدل أعداء السنة فى القديم والحديث ببعض الأخبار الضعيفة ليروِّجوا لدعواهم. 

ومن هذه الأخبار ما رُوى أنه صلى الله عليه وسلم دعا اليهود فحدَّثوه فخطب الناس فقال: (إن الحديث سيفشو عنِّى، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنِّى، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّى)(27)

فقالوا: إذا أثبتت السنة حكمًا جديدًا فإنها تكون غير موافقة للقرآن، وإن لم تثبت حكمًا جديدًا فإنها تكون لمجرد التأكيد؛ فالحجة إذًا فى القرآن وحده. 

ومن هذه الأخبار التى استدلوا بها ما رُوِى أنه صلى الله عليه وسلم قال « إذا حُدِّثتم عنِّى حديثًا تعرفونه ولا تنكرونه، قلته أم لم أقله فصدّقوا به، فإنى أقول ما يُعرَف ولا يُنكَر، وإذا حُدِّثتم عنِّى حديثًا تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدِّقوا به، فإنى لا أقول ما يُنكَر ولا يُعرَف»(28)

فقالوا: هذا يفيد وجوب عرض الحديث المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم على المستحسن المعروف عند الناس من الكتاب أو العقل، فلا تكون السنة حجَّة حينئذ. 

ومن تلك الأخبار أيضًا ما رُوِى أنه صلى الله عليه وسلم قال « إنى لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله فى كتابه، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله فى كتابه »، وفى رواية « لا يمسكنَّ الناس على بشىء، فإنى لا أحلُّ لهم إلا ما أحلَّ الله ولا أحرَّم عليهم إلا ما حرَّم الله»(29)

هذه هى خلاصة الشبه التى أوردوها، وهى شبه ضعيفة متهافتة لا تثبت أمام البحث والنظر الصحيح، وتدل على مبلغ جهلهم وسوء فهمهم. 

تفنيد الشبهة والرد عليها: 

أما الحديث الأول: 

(إن الحديث سيفشو عنى...) فإن أحاديث العرض على كتاب الله كلها ضعيفة لا يصح التمسك بشىء منها كما ذكر أهل العلم، فمنها ما هو منقطع، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول، ومنها ما جمع بين الأمرين، وقد بَيَّن ذلك ابن حزم والبيهقى والسيوطى، وقال الشافعى فى الرسالة: " ما روَى هذا أحدٌ يثبت حديثه فى شىء صغير ولا كبير، وإنما هى رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل هذه الرواية فى شىء "، بل نقل ابن عبد البر فى جامعه عن عبد الرحمن بن مهدى قوله " الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث "، ثم قال: " وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه ". 

بل إن الحديث نفسه يعود على نفسه بالبطلان لو عرضناه على القرآن والسنة: 

- فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفًا له، فلا يوجد فى كتاب الله أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل منه إلا ما وافق الكتاب، بل إننا نجد فى القرآن إطلاق التأسى به صلى الله عليه وسلم والأمر بطاعته، والتحذير من مخالفة أمره على كل حال، فرجع الحديث على نفسه بالبطلان (30)

ومما يدل على بطلانه كذلك معارضته الصريحة لقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه أبو داود «لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِى مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لا نَدْرِى مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ»(31)

ولو عرضناه على السنة فمعناه أن ما يصدر عن النبى صلى الله عليه وسلم نوعان: منه ما يوافق الكتاب فهذا يُعمل به، ومنه ما يخالفه فهذا يُردُّ، بل لا يمكن أن يقول بذلك مسلم، لأن فى ذلك اتهامًا للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يمكن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن، وكيف لمؤمن أن يقول ذلك وقد ائتمنه الله على وحيه ودينه وقال له: {قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَى إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة يونس، الآية 15]

فالرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يصدر عنه ما يخالف القرآن، ولا يمكن أن يوجد خبر صحيح ثابت عنه مخالفٌ لما فى القرآن. 

فيكون معنى الحديث إذًا: " إذا رُوِى لكم حديث فاشتبه عليكم هل هو من قولى أو لا فاعرضوه على كتاب الله، فإن خالفه فردُّوه فإنه ليس من قولى "، وهذا هو نفسه الذى يقوله أهل العلم عندما يتكلمون على علامات الوضع فى الحديث، فإنهم يذكرون من تلك العلامات أن يكون الحديث مخالفًا لمحكمات الكتاب، ولذلك قال " فما أتاكم يوافق القرآن: فهو عنِّى، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي". 

وعندما نقول: إن السنة الصحيحة لابدَّ وأن تكون موافقة للقرآن غير مخالفة له، فلا يلزم أن تكون هذه الموافقة موافقة تفصيلية فى كل شىء، فقد تكون الموافقة على جهة الإجمال، فحين تبين السنة حكمًا أجمله القرآن، أو توضِّح مُشْكِلا، أو تخصص عامًَّا، أو تقييد مطلقًا، أو غير ذلك من أوجه البيان، فهذا البيان فى الحقيقة موافق لما فى القرآن، غير مخالف له. 

بل حتى الأحكام الجديدة التى أثبتتها السنة ودلَّت عليها استقلالا، هى أيضًا أحكام لا تخالف القرآن، لأن القرآن سكت عنها على جهة التفصيل، وإن كان قد أشار إليها وتعرض لها على جهة الإجمال حين قال {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المجادلة، الآية 7]

 وأما الحديث الثانى: 

«إذا حُدِّثتم عنِّى حديثًا تعرفونه ولا تنكرونه....»، فرواياته ضعيفة منقطعة كما قال البيهقى وابن حزم وغيرهما، فضلا عما فيه من تجويز الكذب عليه صلى الله عليه وسلم وذلك فى عبارة «ما أتاكم من خبر فهو عنِّى قلته أم لم أقله»، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمح بالكذب عليه وهو الذى تواتر عنه قوله فى الصحيحين «من كذب على متعمدًا فليتبوَّأ مقعده من النار». 

وقد رُوى هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها لفظ (قلته أم لم أقلهـ) منها رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد « إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّى تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلاَكُمْ بِهِ وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّى تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ»(32)

والمراد منه أن من أدلَّة صحة الحديث وثبوته أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن، وأن يكون قريبًا من العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإن جاء على غير ذلك كان دليلا على عدم صحته، وهذا هو الذى يقوله علماء الحديث عند الكلام على العلامات التى يعرف بها الوضع وليس هذا مجال بسطها. 

نعم قد تقصر عقولنا عن إدراك الحكمة والعلَّة، فلا يكون ذلك سببًا فى إبطال صحة الحديث وحجيته، فمتى ما ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب علينا قبوله وحسن الظن به، والعمل بمقتضاه، واتهام عقولنا. 

قال ابن عبد البر: كان أبو إسحاق إبراهيم بن سيار يقول: " بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من فم القربة(33)، فكنت أقول: إن لهذا الحديث شأنًا، وما فى الشرب من فم القربة حتى يجيء فيه هذا النهى ؟ فلما قيل لى: إن رجلا شرب من فم القربة فوكعته حية فمات، وإن الحيات والأفاعى تدخل أفواه القرب علمت أن كل شىء لا أعلم تأويله من الحديث أن له مذهبًا وإن جهلته ". 

وأما الحديث الثالث: 

(أَنِّى لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ...)، فهو حديث منقطع فى كلتا روايتيه كما قال الشافعى والبيهقى وابن حزم. 

وعلى فرض صحته فليس فيه أى دلالة على عدم حجية السنة بل المراد بقوله (فى كتابهـ) ما أوحى الله إليه - كما قال البيهقى - فإن ما أوحى الله إلى رسوله نوعان: أحدهما وحى يتلى، والآخر وحى لا يتلى، ففسَّرَ الكتاب هنا بما هو أعم من القرآن. 

وقد ورد فى السنة استعمال الكتاب فى هذا المعنى فى الحديث الذى رواه الإمام البخارى حيث قال صلى الله عليه وسلم لأبى الزانى بامرأة الرجل الذى صالحه على الغنم والخادم «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا قَالَ فَغَدَا عَلَيْهَا » فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ (34)، فجعل صلى الله عليه وسلم حكم الرجم والتغريب فى كتاب الله، مما يدُلُّ على أن المراد عموم ما أوحى إليه. 

وحتى لو سلمنا أن المراد بالكتاب القرآن، فإن ما أحلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حرمه ولم ينص عليه القرآن صراحة، فهو حلال أو حرام فى القرآن لقول الله تعالى {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المجادلة، الآية 7]، ولقوله صلى الله عليه وسلم « أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّى وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» (35)

وأما رواية «لا يمسكنَّ الناس على بشىء...»، فقد قال فيها الشافعى إنها من رواية طاوس وهو حديث منقطع. 

وعلى افتراض ثبوتها فليس معناها تحريم التمسك بشىء مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أو الاحتجاج به. 

وإنما المراد أنه صلى الله عليه وسلم فى موضع القدوة والأسوة، وأن الله عز وجل قد خصَّه بأشياء دون سائر الناس فأبيح له ما لم يبح لغيره، وحُرِّم عليه ما لم يُحرَّم على غيره، فكان المعنى: لا يتمسكن الناس بشىء من الأشياء التى خصنى الله بها، وجعل حكمى فيها مخالفًا لحكمهم، ولا يقس أحدٌ نفسه على فى شىء من ذلك، فإن الحاكم فى ذلك كله هو الله تعالى، فهو الذى سوى بينى وبينهم فى بعض الأحكام، وفرَّق بينى وبينهم فى بعضها الآخر. 

وقال ابن رجب " وهذا الحديث معلول أيضا وقد اختلفوا فى إسناده على ابن أبى ذئب، ورواه الحفاظ عنه عن سعيد مرسلا، والمرسل أصح عند أئمة الحفاظ منهم ابن معين والبخارى وأبو حاتم الرازى وابن خزيمة، وقال ما رأيت أحدًا من علماء الحديث يثبت وصله(36)

وقال ابن خزيمة: " فى صحة هذا الحديث مقال لم نر فى شرق الأرض ولا غربها أحدًا يعرف هذا من غير رواية يحيى ولا رأيت محدثًا يثبت هذا عن أبى هريرة(37)

وقال البيهقى: وهو مختلف على يحيى بن آدم فى إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة ومنهم من لا يذكره ويرسل الحديث، ومنهم من يقول فى متنه إذا رويتم الحديث عنى فاعرضوه على كتاب الله، وقال البخارى فى تاريخه ذكر أبى هريرة فيه وهم، ثم أخرج البيهقى من طريق الحارث بن نبهان عن محمد بن عبد الله العرزمى عن عبد الله بن سعيد ابن أبى سعيد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما بلغكم عنى من حديث حسن لم أقله فأنا قلته» قال البيهقى هذا باطل والحارث والعرزمى متروكا، وعبد الله بن سعيد عن أبى هريرة مرسل فاحش قال، وقد روى عن أبى هريرة ما يضاد بعض هذا(38)

وبهذا يتبين أن الأحاديث التى استند إليها أصحاب هذه الشبهة منها ما لم يثبت عند أهل العلم، ومنها ما ثبت ولكن ليس فيه دليل على دعواهم، فلم يبق لهؤلاء الذين نابذوا السنة، وتأولوا القرآن على غير وجهه - من حجة إلا اتباع الهوى، وصدق الله إذ يقول: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص، الآية 50]

يقول ابن حزم: "فإن تعارض فيما يرى المرء آيتان أو حديثان صحيحان، أو حديث صحيح وآية، فالواجب استعمالهما جميعًا، لأن طاعتهما سواء فى الوجوب، فلا يحل ترك أحدهما للآخر ما دمنا نقدر على ذلك، وليس هذا إلا بأن يستثنى الأقل معانى من الأكثر، فإن لم نقدر على ذلك، وجب الأخذ بالزائد حكمًا، لأنه متيقن وجوبه، ولا يحل ترك اليقين بالظنون، ولا إشكال فى الدين قد بين الله تعالى دينه {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة، الآية 3] وقال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل، الآية 89] (39)

وقال الشافعى: "سنته تبع لكتاب الله فيما أنزل ولا تخالف كتاب الله أبدًا " (40)

وقد عقد ابن القيم فصلا عنوانه - منزلة السنة من الكتاب – قال فيه: "وقد أنكر الإمام أحمد على من قال: السنة تقضى على الكتاب، فقال: بل السنة تفسر الكتاب، وتبينه، والذى يشهد الله ورسوله به: أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله، وتخالفه البتة، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده، ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب، لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية، فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته، إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق، فلا تقبل(41)

وقال الإمام ابن القيم فى الصواعق المرسلة: "وقد أنكر الأئمة على من رد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وقالوا: لا ترد السنة بالقرآن، فكيف بمن ردها برأى، أو قياس، أو قاعدة هو وضعها، ولهذا كان الصواب مع من قبل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيج الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)(42)، دون من رده بظاهر القرآن {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [سورة الأنعام، الآية 164] وأعجب من ذلك من رده بقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [سورة النجم، الآية 43]

وكان الصواب مع من قبل حديث فاطمة بنت قيس فى إسقاط النفقة والسكنى للمبتوتة دون من رده بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [سورة الطلاق، الآية 6]، وكان الصواب مع من قبل حديث خطاب النبى صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر دون رده بقوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [سورة النمل، الآية 80] وهذا إن وقع لبعض الصحابة، فلم يتفقوا كلهم على رد هذه الأحاديث بالقرآن، بل كان الذين قبلوه أضعاف أضعاف الذين ردوه، وقولهم هو الراجح قطعًا دون قول الآخرين، فلا يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء أبدًا إلا بحديث مثله ناسخ له يعلم مقاومته له ومعارضته له وتأخره عنه، ولا يجوز رده بغير ذلك البتة. 

وكأن الإمام ابن القيم بهذا يرد على من زعم أن هناك أحاديث صحيحة تخالف ظاهر القرآن، وأن الصحابة ردوا بعض الأحاديث بسبب ذلك. 

ثم قال الإمام ابن القيم بعد ذلك: "ونحن نقول قولا كليًا نشهد الله تعالى عليه وملائكته أنه ليس فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف القرآن، ولا يخالف العقل الصريح، بل كلامه بيان للقرآن، وتفسير له، وتفصيل لما أجمله، وكل حديث رده من رد الحديث لزعمه أنه يخالف القرآن فهو موافق للقرآن مطابق له، وغايته أن يكون زائدًا على ما فى القرآن، وهذا الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبوله ونهى عن رده بقوله «لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِى مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ»(43)، فهذا الذى وقع من رد بعض الأحاديث بدعوى عرض السنة على القرآن وقع بسبب وضع قاعدة باطلة لرد الأحاديث بها بقولهم فى كل حديث زائد على ما فى القرآن: هذا زيادة على النص، فيكون نسخًا، والقرآن لا يُنسخ بالسنة، فهذا الذى حذر منه صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم عنه، وأخبرهم أن الله تعالى أوحى إليه ومثله معه، فمن رد السنة الصحيحة بغير سنة تكون مقاومة لها متأخرة عنها ناسخة لها، فقد رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد وحى الله(44)

وقد صنف الإمام أحمد رضى الله عنه كتابًا فى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم رد فيه على من احتج بظاهر القرآن فى معارضة سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها، فقال فى أثناء خطبته "إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه. وما قصد له الكتاب. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه شاهده أراد الله من كتابه بمشاهدتهم وما قصد له الكتاب فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر "ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شىء عملنا" به ثم ساق الآيات الدالة على طاعة الرسول الموجبة لمتابعته صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الآيات التى فسرت السنة مجملها؛ والمقصود أن أئمة الإسلام جميعهم على هذه الطريقة، الأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح، ولم يأت بعده حديث آخر ينسخه، سواء عرفوا من عمل به أم لا، وسواء عمل الناس بخلافه أو بوفاقه، فلا يتركون الحديث لعمل أحد، ولا يتوقفون فى قبوله على عمل أحد، ولا يعارضون بالقرآن ولا بالإجماع، ويعلمون أن هذه المعارضة من أبطل الباطل، ثم ذكر الإمام أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن"(45)

ومسلك عرض السنة على القرآن فإن وافقت ظاهره، وإلا استعملنا ظاهر القرآن وتركنا الحديث - مسلك خاطئ، إنما يقرره من يعتقد أن الصحاح قد تخالف كتاب الله؛ هذا وقد استدل من قال بعرض السنة على القرآن بأحاديث ضعيفة لا يثبت منها شىء، وقد رد العلماء على هذه الأحاديث، وبينوا ضعفها. 

قال البيهقى فى الرد على من ادعى أن أكبر ما يُعلم به صحة الحديث أن يكون موافقًا لكتاب الله عز وجل "وهذه الدعوى باطلة، والأخبار التى وردت فى عرض الحديث على الكتاب مردودة، وهى فى الانقطاع، وضعف الرواة، وجهالة بعضهم"(46)

وقال: "باب بيان بطلان ما يحتج به بعض من رد الأخبار من الأخبار التى رواها بعض الضعفاء فى عرض السنة على القرآن، قال الشافعى " أحتج على بعض من رد الأخبار بما روى أن النبى عليه الصلاة والسلام قال «ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتابِ اللهِ فما وافقه فأنا قلتُهُ وما خالفَه فلم أقله»(47) فقلت له ما روى هذا أحد يثبت حديثه فى شىء صغير ولا كبير، وإنما هى رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية فى شيء". 

قال البيهقى "أشار الإمام الشافعى إلى ما رواه خالد بن أبى كريمة عن أبى جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه دعا اليهود، فسألهم، فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام، فصعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس، فقال «إن الحديث سيفشو عنِّى فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنى وما أتاكم عنى يخالف القرآن فليس عنى». 

قال البيهقى: "خالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابى، فالحديث منقطع، وقال الشافعى وليس يخالف الحديث القرآن، ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين معنى ما أراد خاصًا وعامًا وناسخًا ومنسوخًا، ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبل، قال البيهقى "وقد رُوى الحديث من أوجه أُخَر كلها كمال ثم ذكر الأوجه، وبين ضعفها، فهى إما عن رجل مجهول، وإما رواية منقطعة، وإما إسناد ضعيف لا يحتج بمثله، وإما مختلف فى إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، وإما باطل". 

قال الشافعى: "وعلى الأحوال كلها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، قريب من العقول، موافق للأصول، لا ينكره عقل من عقل عن الله الموضع الذى وضع به رسول الله صلى الله عليه وسلم من دينه، وما افترض على الناس من طاعته، ولا ينفر منه قلب من اعتقد تصديقه فيما قال، واتباعه فيما حكم به، وكما هو جميل حسن من حيث الشرع، جميل فى الأخلاق حسن، عند أولى الألباب، هذا هو المراد مما عسى يصح من ألفاظ هذه الأخبار. 

أشار الإمام الشافعى مما سبق أن السنة الثابتة ليست منافرة للقرآن، بل معاضدة له، وإن لم يكن فيه نص صريح بلفظها، فإن النبى صلى الله عليه وسلم يفهم من القرآن مالا يفهمه غيره(48)

وقال الشافعى: "إن قول من قال تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا استعملنا ظاهر القرآن، وتركنا الحديث جهل، فأبان الله لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهى إليها لا أن لنا معها من الأمر شيئا إلا التسليم لها واتباعها ولا أنها تعرض على قياس ولا على شىء غيرها وأن كل ما سواها من قول الآدميين تبع لها"(49)

ومع أن أحاديث عرض السنة على القرآن الكريم لا وزن لها سندًا عند أهل العلم كما سبق، إلا أن معناها صحيح وعمل بها المحدثون فى نقدهم للأحاديث متنًا فجعلوا من علامات وضع الحديث مخالفته لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل. 

إلا أنهم وضعوا لذلك قيدًا وهو استحالة إمكان الجمع والتأويل، فإذا أمكن الجمع بين ما ظاهره التعارض من الكتاب أو السنة أو العقل جمعًا لا تعسف فيه يصار إلى الجمع والقول معًا ولا تعارض حينئذ، وإن كان وجه الجمع ضعيفًا باتفاق النظار، فالجمع عندهم أولى. 

وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها، وإلا فلنتعرف على الناسخ والمنسوخ فنصير إلى الناسخ ونترك المنسوخ، وإلا نرجح بأحد وجوه الترجيحات المفصلة فى كتب الأصول وعلوم الحديث، والعمل بالأرجح حينئذ متعين، وهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسًا، جهلا به أو عنادًا كما قال الشاطبى. 

وإن لم يتمكن العالِم من ذلك للتعادل الذهنى فاختلفوا على مذاهب منها: 

(1) التخيير.              (2) تساقط الدليلين والرجوع إلى البراءة الأصيلة.

(3) الأخذ بالأغلظ       (4) التوقف. 

ومعلوم بأن التوقف هنا حتى يمكن الجمع أو التأويل أو الترجيح، وكل ما سبق قال به من المعتزلة صاحب المعتمد فى أصول الفقه فى باب الأخبار المعارضة، وباب ما يترجح به أحد الخبرين على الآخر(50)

قال الحافظ ابن حجر: فصار ما ظاهره التعارض واقعًا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن، فاعتبار الناسخ والمنسوخ، والترجيح إن تعين، ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر، إنما هو بالنسبة للمعتبر فى الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذى علم عليم(51)

ولا أعلم نقلا عن أحد من العلماء برفض ورود الحديث بمجرد المخالفة الظاهرية مع القرآن الكريم أو السنة، أو العقل مع إمكان الجمع، أو التأويل أو الترجيح، حتى من نقل عنهم الأصوليون إنكار الترجيح وردوا عليهم إنكارهم، قالوا عند التعارض: يلزم التخيير أو الوقف. نعم لم ينقل رد السنة وجحدها بمجرد المخالفة الظاهرية إلا عن أهل البدع والأهواء كما حكاه عنهم الإمام الشاطبى فى كتابه الاعتصام، وتابعهم ذيولهم فى العصر الحديث من أصحاب المذاهب اللادينية. 

وقصارى القول إن أهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا تخالف كتاب الله، ولا تخالف سنة أخرى صحيحة مثلها، ولا تخالف العقل، وما يبدو حينًا من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع. 

وقال الإمام ابن حزم: ليس فى الحديث الذى صح شىء يخالف القرآن(52)

ويقول: إذا تعارض الحديثان أو الآيتان أو الآية والحديث فيما يظن من لا يعلم ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء فى باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق(53)

فالسنة بالمعنى الذى أراده أعداء الإسلام لا تحتاج إلى عرض على القرآن، فنبى الله لا يخالف كتاب الله تعالى، ومخالف كتاب الله لا يكون نبى الله". 

شبهاتهم حول سيدنا معاوية بن أبى سفيان: 

معاوية بن صخر أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عبد الرحمن الأموى، خال المؤمنين، وكاتب وحى رب العالمين. 

ولد قبل البعثة بخمس سنين، وقيل: بسبع، وقيل: بثلاث عشرة، والأول أشهر. 

حكى الواقدى أنه أسلم بعد الحديبية، وكتم إسلامه، حتى أظهره عام الفتح، فإنه كان فى عمرة القضاء مسلمًا. 

قال الحافظ ابن حجر: "وهذا يعارضه ما ثبت فى الصحيح عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: فى العمرة فى أشهر الحج فعلناها وهذا يومئذ كافر(54)،  ويحتمل إن ثبت الأول أن يكون سعد أطلق ذلك بحسب ما استصحب من حاله، ولم يطلع على أنه كان أسلم لإخفائه لإسلامه". 

وحكى ابن سعد أنه كان يقول: لقد أسلمت قبل عمرة القضية ولكنى كنت أخاف أن أخرج إلى المدينة لأن أمى كانت تقول إن خرجت قطعنا عنك القوت. 

قال الحافظ ابن حجر: يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر فى تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفى إسلامه خوفًا من أبويه وكان النبى صلى الله عليه وسلم لما دخل فى عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه(55)

وقال أبو نعيم: كان من الكتبة الحسبة الفصحاء حليمًا وقورًا. 

ولاه عمر بن الخطاب الشام، وأقره عثمان بن عفان عليها، وبنى بها الخضراء، وسكنها أربعين سنة ولم يبايع عليًا، ثم حاربه واستقل بالشام، ثم أضاف إليها مصر، ثم تسمى بالخلافة بعد الحَكَمين، ثم استقل لما صالح الحسن واجتمع عليه الناس فسُمى ذلك العام عام الجماعة. مات معاوية فى رجب سنة ستين على الصحيح(56)

أهم الشبهات التى أثيرت حوله: 

نالت سهام النقد من هذا الصحابى الجليل لا سيما من الشيعة وهذا هو أهم ما أثاروه حوله من شبهات. 

(1) الطعن عليه بأخذه للخلافة قهرًا. 

فقد أخذوا مما شجر بينه وبين على رضى الله عن الجميع مطعنًا يطعنون به فى سيدنا معاوية، وحاولوا تصوير أن ما فعله منذ مقتل عثمان رضى الله عنه إنما كان من أجل طمعه فى الخلافة. 

فنراهم يقولون: "إنه أخذ الخلافة قهرًا، ونال الخلافة بالخديعة والسياسة واصطناع الرجال، بل وبحد السيف"(57)

الجواب عن هذه الشبهة: 

(1) أن الخلاف من البداية لم يكن من أجل الخلافة: 

قال ابن حجر الهيتمى " ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين معاوية وعلى رضى الله عنهما من الحروب، لم يكن لمنازعة معاوية لعلى فى الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلى، فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من على تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه، فامتنع على ظنًا منه أن تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر على يؤدى إلى اضطراب وتزلزل فى أمر الخلافة التى بها انتظام كلمة أهل الإسلام؛ سيما وهى فى ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها فرأى على رضى الله عنه أن تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه فى الخلافة، ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها، ويتم له انتظام شملها، واتفاق كلمة المسلمين، ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدًا فواحدًا ويسلمهم إليهم، ويدل لذلك أن بعض قتلته عزم على الخروج على عَلِىٍّ ومقاتلته لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان، وأيضا فالذين تمالؤا على قتل عثمان كانوا جموعًا كثيرة كما عُلِم من قصة محاصرتهم له إلى أن قتله بعضهم جمع من أهل مصر قيل: سبعمائة، وقيل: ألف، وقيل خمسمائة، وجمع من الكوفة وجمع من البصرة وغيرهم، قدموا كلهم المدينة وجرى منهم ما جرى، بل ورد أنهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف، فهذا هو الحامل لعلى رضى الله عنه على الكف عن تسليمهم لتعذره. 

ويحتمل أن عليًّا رضى الله عنه رأى أن قتلة عثمان بغاة حملهم على قتله تأويل فاسد استحلوا به دمه رضى الله تعالى عنه لإنكارهم عليه أمورًا، كجعله مروان ابن عمه كاتبًا له، ورده إلى المدينة بعد أن طرده النبى منها، وتقديمه أقاربه فى ولاية الأعمال...، ظنوا أنها مبيحة لما فعلوه جهلا منهم وخطأ، والباغى إذا انقاد إلى الإمام العدل لا يؤاخذ بما أتلفه فى حال الحرب عن تأويل، دمًا كان أو مالا كما هو المرجح من قول الشافعى رضى الله عنه، وبه قال جماعة آخرون من العلماء. 

وهذا الاحتمال وإن أمكن لكن ما قبله أولى بالاعتماد منه فإن الذى ذهب إليه كثيرون من العلماء أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة وإنما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم، ولأنهم أصروا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحق لهم، وليس كل من انتحل شبهة يصير بها مجتهدًا؛ لأن الشبهة تعرض للقاصر عن درجة الاجتهاد، ولا ينافى هذا ما هو المقرر فى مذهب الشافعى رضى الله عنه من أن من لهم شوكة دون تأويل لا يضمنون ما أتلفوه فى حال القتال كالبغاة؛ لأن قتل سيدنا عثمان رضى الله عنه لم يكن فى قتال، فإنه لم يقاتل بل نهى عن القتال؛ حتى إن أبا هريرة رضى الله عنه لما أراده قال له عثمان: " عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت بسيفك، إنما تراد نفسى وسأقى المسلمين بنفسى " كما أخرجه ابن عبد البر عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة. 

(2) أن معاوية لم يكن فى أيام على خليفة: 

ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أيضًا أن معاوية رضى الله عنه لم يكن فى أيام على خليفة، وإنما كان من الملوك، وغاية اجتهاده أنه كان له أجر واحد على اجتهاده، وأما على رضى الله عنه، فكان له أجران أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته، بل عشرة أجور لحديث « إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله عشرة أجور»(58)

(3) الخلاف فى إمامة معاوية بعد موت على: 

اختلفوا فى إمامة معاوية بعد موت على رضى الله عنهما. 

فقيل: صار إمامًا وخليفة لأن البيعة قد تمت له. 

وقيل: لم يصر إمامًا لحديث (الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تصير ملكًا) (59)

وقد انقضت الثلاثون بوفاة على وأنت خبير أن الثلاثين لم تتم بموت على وبيانه أنه توفى فى رمضان سنة أربعين من الهجرة، والأكثرون على أن وفاته سابع عشر، ووفاة النبى ثانى عشر ربيع الأول فبينهما دون الثلاثين بنحو ستة أشهر، وتمت الثلاثين بمدة خلافة الحسن بن على رضى الله عنهما. 

فإذا تقرر ذلك فالذى ينبغى كما قاله غير واحد من المحققين أن يحمل قول من قال بإمامة معاوية عند وفاة على على ما تقرر من وفاته بنحو نصف سنة لمَّا سلم له الحسن الخلافة. 

والمانعون لإمامته يقولون: لا يعتد بتسليم الحسن الأمر إليه لأنه لم يسلمه إليه إلا للضرورة لعلمه بأنه - أعنى معاوية - لا يسلم الأمر للحسن، وأنه قاصد للقتال والسفك إن لم يسلم الحسن الأمر إليه، فلم يترك الأمر إليه إلا صونًا لدماء المسلمين. 

(4) نزول الحسن عن الخلافة كان باختياره: 

ولك رد ما وجَّه به هؤلاء ما ذكر بأن الحسن كان هو الإمام الحق والخليفة الصدق، وكان معه من العدة والعدد ما يقاوم مَن مع معاوية، فلم يكن نزوله عن الخلافة وتسليمه الأمر لمعاوية اضطراريًا بل كان اختياريًا كما يدل عليه ما جاء فى قصة نزوله من أنه اشترط عليه شروطًا كثيرة فالتزمها ووفى له بها. 

وأيضا ففى صحيح البخارى أن معاوية هو السائل للحسن فى الصلح(60)

ومما يدل على ما ذكرته حديث البخارى عن أبى بكرة قال: " رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن على إلى جنبه وهو يُقْبِل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" (61)

فانظر إلى ترجيه الإصلاح به وهو لا يترجى إلا الأمر الحق الموافق للواقع بترجيه الإصلاح من الحسن يدل على صحة نزوله لمعاوية عن الخلافة، وإلا لو كان الحسن باقيًا على خلافته بعد نزوله عنها لم يقع بنزوله إصلاح ولم يحمد الحسن على ذلك، ولم يترج مجرد النزول من غير أن يترتب عليه فائدته الشرعية ووجوب طاعته على الكافة وهى استقلال المنزول له بالأمر، وصحة خلافته، ونفاذ تصرفه ووجوب طاعته على الكافة، وقيامه بأمور المسلمين، فكان ترجيه لوقوع الإصلاح بين أولئك الفئتين العظيمتين من المسلمين بالحسن فيه دلالة، أى دلالة على صحة ما فعله الحسن، وعلى أنه مختار فيه، وعلى أن تلك الفوائد الشرعية، وهى صحة خلافة معاوية وقيامه بأمور المسلمين وتصرفه فيها بسائر ما تقتضيه الخلافة مترتبة على ذلك الصلح. 

فالحق ثبوت الخلافة لمعاوية من حينئذ وأنه بعد ذلك خليفة حق وإمام صدق. 

كيف وقد أخرج الترمذى وحسَّنه عن عبد الرحمن بن أبى عميرة الصحابى عن النبى أنه قال لمعاوية: " اللهم اجعله هاديا مهديا" (62)

وأخرج أحمد فى مسنده عن العرباض بن سارية سمعت رسول الله يقول «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب(63) ». 

وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف والطبرانى فى الكبير عن عبد الملك ابن عمير قال، قال معاوية "ما زلت أطمع فى الخلافة منذ قال لى رسول الله يا معاوية إذا ملكت فأحسن (64) ". 

فتأمل دعاء النبى له فى الحديث الأول بأن الله يجعله هاديًا مهديًا، والحديث حسن كما علمت، فهو مما يحتج به على فضل معاوية وأنه لا ذم يلحقه بتلك الحروب لما علمت أنها كانت مبنية على اجتهاد، وأنه لم يكن له إلا أجر واحد لأن المجتهد إذا أخطأ لا ملام عليه ولا ذم يلحقه بسبب ذلك لأنه معذور ولذا كتب له أجر. 

ومما يدل لفضله أيضا الدعاء فى الحديث الثانى بأن يعلم ذلك ويوقى العذاب ولا شك أن دعاءه مستجاب فعلمنا منه أنه لا عقاب على معاوية فيما فعل من تلك الحروب بل له الأجر كما تقرر. 

وقد سمى النبى فئته المسلمين وساواهم بفئة الحسن فى وصف الإسلام، فدل على بقاء حرمة الإسلام للفريقين، وأنهم لم يخرجوا بتلك الحروب عن الإسلام، وأنهم فيه على حد سواء، فلا فسق ولا نقص يلحق أحدهما، لما قررناه من أن كلا منهما متأول تأويلا غير قطعى البطلان، وفئة معاوية وإن كانت هى الباغية لكنه بغى لا فسق به لأنه إنما صدر عن تأويل يعذر به أصحابه. 

وتأمل أنه أخبر معاوية بأنه يملك، وأمره بالإحسان تجد فى الحديث إشارة إلى صحة خلافته، وأنها حق بعد تمامها له بنزول الحسن له عنها، فإن أمره بالإحسان المترتب على الملك يدل على أحقية ملكه وخلافته، وصحة تصرفه، ونفوذ أفعاله من حيث صحة الخلافة له من حيث التغلب لأن المتغلب فاسق معاقب لا يستحق أن يبشر، ولا يؤمر بالإحسان فيما تغلب عليه، بل إنما يستحق الزجر والمقت والإعلام بقبيح أفعاله وفساد أحواله. 

فلو كان معاوية متغلبًا لأشار له النبى إلى ذلك أو صرح له به، فلما لم يشر له فضلا عن أن يصرح إلا بما يدل على حقية ما هو عليه علمنا أنه بعد نزول الحسن له خليفة حق وإمام صدق ويشير إلى ذلك كلام الإمام أحمد: فقد أخرج البيهقى وابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمنى قال قلت لأحمد بن حنبل: مَن الخلفاء قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، قلت: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة فى زمان على من على (65)

فأفهم كلامه أن معاويةَ - بعد زمان على أى وبعد نزول الحسن له - أحق الناس بالخلافة. 

وأما ما أخرجه ابن ابى شيبة فى المصنف عن سعيد بن جمهان قال قلت لسفينة إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم فقال كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من أشر الملوك وأول الملوك معاوية(66)

فلا يتوهم منه أن لا خلافة لمعاوية لأن معناه أن خلافته وإن كانت صحيحة إلا أنه غلب عليها مشابهة الملك لأنها خرجت عن سنن خلافة الخلفاء الراشدين فى كثير من الأمور، فهى حقة وصحيحة من حين نزول الحسن له، واجتماع الناس أهل الحل والعقد عليه، وتلك من حيث إنه وقع فيها أمور ناشئة عن اجتهادات غير مطابقة للواقع لا يأثم بها المجتهد، لكنها تؤخر عن درجات ذوى الاجتهادات الصحيحة المطابقة للواقع وهم الخلفاء الأربعة والحسن رضى الله عنهم، فمن أطلق على ولاية معاوية أنها ملك أراد من حيث ما وقع فى خلالها من تلك الاجتهادات التى ذكرناها، ومن أطلق عليها أنها خلافة أراد أنه بنزول الحسن له واجتماع أهل الحل والعقد عليه صار خليفة حق مطاعًا، يجب له من حيث الطواعية والانقياد ما يجب للخلفاء الراشدين قبله. 

ولا يقال بنظير ذلك فيمن بعده لأن أولئك ليسوا من أهل الاجتهاد بل منهم عصاة فسقة، ولا يعدون من جملة الخلفاء بوجه بل من جملة الملوك بل من أشرهم إلا عمر بن عبد العزيز فإنه ملحق بالخلفاء الراشدين وكذلك ابن الزبير. 

وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه فله فيه أسوة أى أسوة بالشيخين وعثمان وأكثر الصحابة - فلا يلتفت لذلك ولا يعول عليه، فإنه لم يصدر إلا عن قوم حمقى جهلاء أغبياء لا يبالى الله بهم فى أى واد هلكوا، فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللعنة والخذلان، وأقام على رؤوسهم من سيوف أهل السنة وحججهم المؤيدة بأوضح الدلائل والبرهان ما يقمعهم عن الخوض فى تنقيص أولئك الأئمة الأعيان. 

ولقد استعمل معاويةَ عمرُ وعثمانُ رضى الله عنهم، وكفاه ذلك شرفًا، وذلك أن أبا بكر رضى الله عنه لما بعث الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبى سفيان، فلما مات أخوه يزيد استخلفه على دمشق فأقره ثم أقره عمر ثم عثمان وجمع له الشام كله فأقام أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة. 

قال كعب الأحبار: "لم يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية"(67)

قال الذهبى: توفى كعب قبل أن يستخلف معاوية وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقى خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر فى الأرض، بخلاف غيره ممن بعده فإنه كان لهم مخالف وخرج عن أمرهم بعض الممالك انتهى. 

وفى إخبار كعب بذلك قبل استخلاف معاوية دليل على أن خلافته منصوص عليها فى بعض كتب الله المنزلة، فإن كعبًا كان حبرها، فله من الاطلاع عليها والإحاطة بأحكامها ما فاق سائر أحبار أهل الكتاب. 

وفى هذا من التقوية لشرف معاوية وحقية خلافته بعد نزول الحسن له ما لا يخفى، وكان نزوله له عنها واستقراره فيها من ربيع الآخر أوجمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فسمى هذا العام عام الجماعة؛ لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد (68)

وشهد بخلافته فى حديث أم حرام أن ناسصا من أمته يركبون ثبج البحر الأخضر ملوكًا على الأَسِرَّة أو مثل الملوك على الأَسِرَّة، وكان ذلك فى ولايته، ويحتمل أن تكون مراتب فى الولاية خلافة ثم ملك فتكون ولاية الخلافة للأربعة وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية، وقد قال الله فى داود وهو خير من معاوية { وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ }[سورة البقرة، الآية 251] فجعل النبوة ملكًا فلا تلتفتوا إلى أحاديث ضعف سندها ومعناها، والله أعلم. 

رأى آخر للجمهور أن البيعة انعقدت لمعاوية بالصفة التى شاءها الله على الوجه الذى وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مادحًا له راضيًا عنه راجيًا هدنة الحال فيه، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم " ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". 

وقد تكلم العلماء فى إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه (69)

(2) الطعن عليه بأنه قد دس على الحسن من سمه. 

قلنا: هذا محال من وجهين: 

أحدهما: انه ما كان ليتقى من الحسن بأسًا وقد سلم الأمر. 

الثانى: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله؛ فكيف تحملونه بغير بينه على أحد من خلقه فى زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقل بين أيدى قول ذوى أهواء، وفى حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغى، فلا يقبل منها إلا الصافى، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم(70)

(3) الطعن عليه فى صحة إسلامه: 

فقد ألف أحدهم وهو بنو نيازى عز الدين كتابًا أسماه (دين السلطان) فهو يعنى بالسطان معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه. 

وفى ذلك يقول: "والتاريخ الإسلامى يحدثنا أن معاوية كان من دهاة العرب … فأعاد عقلية الجاهلية بتوقيفه أحكام القرآن، من خلال فتح باب الروايات بالأحاديث المفتراة لتحل محل القرآن. وقد وجد كثيرًا من المساعدين من بين أصحاب المصالح من علماء السوء والحساد والمنافقين من أعداء الإسلام " (71)

الجواب عن هذه الشبهة: -

لم تُعرف عن معاوية رضى الله عنه دخلة فى إيمانه , ولا ريبة فى إخلاصه لإسلامه , ولا فى إمارته. 

يقول القاضى أبو بكر بن العربى مبينًا ما اجتمع فى معاوية من خصال الخير: "معاوية اجتمعت فيه خصال: وهى أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو، وسياسة الخلق، وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه، فيما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن أبى مليكه قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: دعه؛ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

وفى رواية أخرى قيل لابن عباس: هل لك فى أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه (72)

يقول ابن العربى: "وشهد بخلافته فى حديث أم حرام – رضى الله عنها– فيما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك؛ لأنه رأى ناسًا من أمته غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج البحر – أى وسطه ومعظمه – ملوكًا على الأَسِرَّةِ، ثم وضع رأسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى، فقالت له أم حرام: ادع الله أن يجعلنى منهم، فقال أنت من الأولين"، فركبت أم حرام البحر فى زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر. فهلكت"(73)

قال الحافظ ابن كثير: يعنى بالأول جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 هـ أيام عثمان بن عفان، بقيادة معاوية، عقب إنشائه الأسطول الإسلامى الأول فى التاريخ، وكانت معهم أم حرام فى صحبة زوجها عبادة بن الصامت. ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم . وماتت أم حرام فى سبيل الله , وقبرها بقبرص إلى اليوم . 

قال ابن كثير: ثم كان أمير الجيش الثانى يزيد بن معاوية فى غزوة القسطنطينية. قال: وهذا من أعظم دلائل النبوة(74) فى الشهادة لسيدنا معاوية، وابنه يزيد بالفضل، والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مرفوعًا: " أول جيش من أمتى يركبون البحر قد أوجبوا (75) وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: لا""(76)

يقول الإمام ابن تيمية: "لم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيرًا منهم فى زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل. 

وقد روى أبو بكر بن الأثرم - ورواه ابن بطة من طريقه عن قتادة قال: "لو أصبحتم فى مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدى ".

وروى ابن بطه بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدى. 

وروى الأثرم عن أبى هريرة المكتب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش، فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا فى حلمه ؟ قال: لا والله، بل فى عدله. 

وعن أبى إسحاق السبيعى أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم: كان المهدى. 

وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة المولى عز وجل لدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الخليفة الصالح يوم قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعله هاديًا، مهديًا، واهد به " (77)

ويقول ابن خلدون: "إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغى أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخيارهم فهو تاليهم فى الفضل والعدالة والصحبة (78)

وروى عن أبى عبد الرحمن النسائى أنه سئل عن معاوية بن أبى سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنما الإسلام كدار لها باب فباب الإسلام الصحابة فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب. قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة " (79)

شبهاتهم حول حديث رهن الدرع: 

أولا: نص الحديث: عَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِى بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وَقَالَ يَعْلَى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ وَقَالَ مُعَلَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ وَقَالَ رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ(80)

وقد جاءت رواية عن أبى رافع أتم من هذه الروايات، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، قَالَ: أَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَيْفًا، فَلَمْ يَلْقَ عِنْدَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم مَا يُصْلِحُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: أَسْلفنِى دَقِيقًا إِلَى هِلالِ رَجَبٍ، قَالَ: لا إِلا بِرَهْنٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَمْ وَاللَّهِ، إِنِّى لأَمِينٌ فِى السَّمَاءِ أَمِينٌ فِى الأَرْضِ، وَلَوْ أَسْلَفَنِى، أَوْ بَاعَنِى لأَدَّيْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [سورة طه، الآية 131]، لأَنَّهُ يُعَزِّيهِ عَنِ الدُّنْيَا(81)

واسم َهَذَا الْيَهُودِى هُوَ أَبُو الشَّحْمِ، بَيَّنَهُ الشَّافِعِىُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِىُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْد أَبِى الشَّحْمِ الْيَهُودِى رَجُل مِنْ بَنِى ظفر فِى شَعِير " اِنْتَهَى. 

وَأَبُو الشَّحْمِ: بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ اسْمه كُنْيَته. 

وإليك أهم الشبهات التى أثيرت حوله: 

أولا: قالوا: من المعلوم أنه قد تم إجلاء اليهود من المدينة فكيف يرهن عندهم درعه. 

ثانيًا: كَانَتْ أَمْوَال بَنِى النَّضِير مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّة، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِى فِى السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّة فِى سَبِيلِ اللَّهِ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يحتاج إلى رهن درعه. 

ثالثًا: أما كان فى المسلمين مواس ولا مؤثر ولا مقرض وقد أكثر الله عز وجل الخير وفتح عليهم البلاد فيقترض منهم بدلا من اليهودى. 

رابعًا: نفس المؤمن معلقة بدينه فكيف يموت وعليه دين؟. 

أما الجواب عن الشبهة الأولى: 

فقال الإمام ابن القيم: "إن أرض العرب كان فيها يهود ونصارى، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافته، وكان اليهود بالمدينة كثيرًا فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادنهم حتى نقضوا العهد طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود، وإن لم يكونوا كثيرًا، فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودى، وكان فى اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين(82)

وإليك هذه الرواية التى تبين بقاء اليهود عن عبد الله بن عمر قال: لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم على أن يعملوا على النصف مما خرج منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقركم فيها على ذلك ما شئنا " فكانوا على ذلك وكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق تمرًا وعشرين وسقًا من شعير، فلما أراد عمر إخراج اليهود أرسل إلى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهن " من أحب منكن أن أقسم لها نخلا بخرصها مائة وسق فيكون لها أصلها وأرضها وماؤها ومن الزرع مزرعة خرص عشرين وسقا فعلنا ومن أحب أن نعزل الذى لها فى الخمس كما هو فعلنا" (83) (84)

نعم فقد بقى بعض اليهود بالمدينة إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب. 

أما الجواب عن الشبهة الثانية:

فقال ابن حجر: "هَذَا لا يُعَارِضُ حَدِيث عَائِشَة " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّى وَدِرْعه مَرْهُونَة عَلَى شَعِير " لأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ لأَهْلِهِ قُوت سَنَتِهِمْ ثُمَّ فِى طُولِ السَّنَةِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَطْرُقُهُ إِلَى إِخْرَاجِ شىء مِنْهُ فَيُخْرِجُهُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا عِوَضه، فَلِذَلِكَ اِسْتَدَانَ"(85)

وقال ابن قتيبة: "إنه ليس فى هذا ما يستعظم بل ما ينكر لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه بأمواله ويفرقها على المحقين من أصحابه وعلى الفقراء والمساكين وفى النوائب التى تنوب المسلمين ولا يرد سائلا ولا يعطى إذا وجد إلا كثيرًا ولا يضع درهمًا فوق درهم، وقالت له أم سلمة: يا رسول الله أراك ساهم الوجه أمن علة فقال: لا، ولكنها السبعة الدنانير التى أتينا بها أمس نسيتها فى خصم الفراش فبت ولم أقسمها(86)

وكانت عائشة رضى الله عنها تقول فى بكائها عليه: بأبى من لم ينم على الوثير ولم يشبع من خبز الشعير. وليس يخلو قولها هذا من أحد أمرين: 

إما أن يكون يؤثر بما عنده حتى لا يبقى عنده ما يشبعه وهذا بعض صفاته والله عز وجل يقول {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة، الآية 9]. أو يكون لا يبلغ الشبع من الشعير ولا من غيره لأنه كان يكره إفراط الشبع وقد كره ذلك كثير من الصالحين والمجتهدين وهو صلى الله عليه وسلم أولاهم بالفضل وأحراهم بالسبق. 

فلما بكته صلى الله عليه وسلم عائشة رضى الله عنها فقالت: بأبى من لم يشبع من خبز الشعير وقد كان يأكل خبز الحنطة وخبز الشعير غير أنه لا يبلغ الشبع منه إما للحال الأولى أو للحال الأخرى، فذكرت أخس الطعامين وأرادت أنه إذا كان لا يشبع منه على خساسته فغيره أحرى أن لا يشبع منه. 

وقد يأتى على البخيل الموسر تارات لا يحضره فيها مال وله الضيعة والأثاث والديون فيحتاج إلى أن يقترض وإلى أن يرهن فكيف بمن لا يبقى له درهم ولا يفضل عن مواساته ونوائبه زاد. وكيف يعلم المسلمون وأهل اليسار من صحابته بحاجته إلى الطعام وهو لا يعلمهم ولا ينشط فى وقته ذلك إليهم. 

وقد نجد هذا بعينه فى أنفسنا وأشباهنا من الناس ونرى الرجل يحتاج إلى الشىء فلا ينشط فيه إلى ولده ولا إلى أهله ولا إلى جاره ويبيع العلق ويستقرض من الغريب والبعيد(87)

أما الجواب عن الشبهة الثالثة:

فقال ابن قتيبة: وإنما رهن درعه عند يهودى لأن اليهود فى عصره كانوا يبيعون الطعام، ولم يكن المسلمون يبيعونه لنهيه عن الاحتكار فما الذى أنكروه من هذا حتى أظهروا التعجب منه وحتى رمى بعض المرقة الأعمش بالكذب من أجله " (88)

والحكمة فى عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجة غيرهم، أو خشى أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك من يقدر على ذلك وأكثر منه فلعله لم يطلعهم على ذلك وإنما اطلع عليه من لم يكن موسرا به ممن نقل ذلك والله أعلم (89)

وَإِنَّمَا قَدمَ الْيَهُودِى فِى الاسْتِدَانَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ لإِفَادَةِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ لأَعْطَوْهُ مَجَّانًا أَوْ أَبْرَءُوهُ مَرْدُودٌ؛ لأَنَّ هَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ (90)

أما الجواب عن الشبهة الرابعة: 

فقد َذَكَرَ الْمَاوَرْدِى الْكَلَامَ عَلَى مَوْتِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِى، أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةً بِدَيْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرِكَةٌ. ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالأَصَحُّ خِلافُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِى وَالْخَبَرُ الأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَقِيلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً(91)

فَإِنْ كَانَتْ دِرْعُهُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْبَتْرَاءِ، فَقَدْ حُكِى أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِى رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا يَوْمَ قُتِلَ فَأَخَذَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، فَلَمَّا قَتَلَ الْمُخْتَارُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ صَارَتْ الدِّرْعُ إلَى عَبَّادِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْحَنْظَلِى، ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ وَكَانَ أَمِيرَ الْبَصْرَةِ سَأَلَ عَبَّادًا عَنْهَا فَجَحَدَهُ إيَّاهَا فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مِثْلُ عَبَّادٍ لَا يُضْرَبُ إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِى أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُعْفَى عَنْهُ؛ ثُمَّ لَا يُعْرَفُ لِلدِّرْعِ خَبَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ(92)

فالحديث يبين جواز الرهن لأن النبى صلى الله عليه وسلم رهن، ويبين جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم. 

وكذلك ما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد فى الدنيا، والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذى أفضى به إلى عدم الادخار حتى أحتاج إلى رهن درعه، والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير، وفضيلة أزواجه لصبرهن معه على ذلك(93)

حول حديث المجبوب

نص الحديث عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِىٍّ: (اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهـ)، فَأَتَاهُ عَلِىٌّ فَإِذَا هُوَ فى رَكِىٍّ(94)  يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ: اخْرُجْ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلِىٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِىّ َ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ). 

تخريج الحديث. 

هذا الحديث روى من حديث أنس بن مالك وأخرجه: مسلم(95) ، وأحمد(96) ، والحاكم(97) ، وابن بشكوال(98)

وروى من حديث عَلِى رَضِى اللَّه عَنْه قَالَ: كَثُرَ على مَارِيَةَ أُمِ إِبْرَاهِيمَ فى قبطى ابن عم لها كان يزورها، ويختلف إليها، فقال لى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «خُذ هَذَا السَّيْفَ، فَانْطَلِقْ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ عِندَهَا، فَاقْتُلْهُ»، قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أكون فى أمرك إِذَا أرسلْتَنِى أَكُونُ كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ لا يثنينى شىء حتى أمضى لما أمرتنى به أَمِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لا يَرَى الْغَائِبُ، قَالَ: (الشَّاهِدُ يَرَى مَا لا يَرَى الْغَائِبُ)، فأقبلت متوشح السيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما رآنى أقبلت نحوه تخوف أننى أريده، فأتى نخلة فرقى فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شغر برجله، فإذا به أجب أمسح ما له قليل ولا كثير، فغمدت السيف، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرته، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى يَصْرِفُ عَنا أَهْلَ الْبَيْتِ»، قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من وجه متصل عنه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. 

أخرجه: البزار(99) ، وأبو نعيم (100) ، والضياء المقدسى (101) ، وابن عساكر(102) ، وابن بشكوال(103) ، وأخرجه الإمام أحمد(104) ، والبخارى فى التاريخ الكبير(105) ، مختصرًا. 

الحكم على الحديث: 

"قال ابن القيم عن سند حديث مسلم: ليس فى إسناده من يتعلق عليه"(106)

فمع أن الحديث فى صحيح مسلم، فقد بحث ابن القيم فى إسناده، فوجد رجال الإسناد ثقات ليس بينهم راو ضعيف. 

الشبهات حول الحديث: 

قالوا: يستحيل أن يحكم على رجل بالقتل فى تهمة لم تحقق، ولم يواجه بها المتهم، ولم يسمع له دفاع عنها، بل كشفت الأيام عن كذبها... ومتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل المنافقين؟ ما وقع ذلك منه ! بل لقد نهى عنه(107)

 الرد على الشبهات: 

قال الإمام ابن القيم: "وقد أشكل هذا القضاء على كثير من الناس فطعن بعضهم فى الحديث، ولكن ليس فى إسناده من يتعلق عليه، وتأوله بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة القتل، إنما أراد تخويفه ليزدجر عن مجيئه إليها، قال: وهذا كما قال سليمان للمرأتين اللتين اختصمتا إليه فى الولد علَىَّ بالسكين، حتى أشق الولد بينهما، ولم يرد أن يفعل ذلك بل قصد استعلام الأمر من هذا القول"(108)

قال الإمام النووى: "كان منافقًا ومستحقا للقتل بطريق آخر، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنى وكف عنه على رضى الله عنه اعتمادا على أن القتل بالزنى وقد علم انتفاء الزنى والله أعلم"(109)

قلت: "هذا القول يرده ما جاء فى رواية على عند البزار من أنه كان قبطيًا ابن عمٍ لها، إلا إن حملنا هذا القول على أصله قبل أن يسلم، فيكون المعنى: كان قبطيًا قبل أن يسلم لكنه نافق بعد إسلامه والله أعلم". 

وقال أبو محمد ابن حزم: "هذا خبر صحيح، وفيه من آذى النبى صلى الله عليه وسلم وجب قتله، وإن كان لو فعل ذلك برجل من المسلمين لم يجب بذلك قتله. 

فإن قال قائل: كيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله دون أن يتحقق عنده ذلك الأمر لا بوحى ولا بعلم صحيح ولا ببينة، ولا بإقرار؟ وكيف يأمر عليه السلام بقتله فى قصة بظن قد ظهر كذبه بعد ذلك وبطلانه؟ وكيف يأمر -عليه السلام بقتل امرئ قد أظهر الله تعالى براءته بعد ذلك بيقين لا شك فيه؟ وكيف يأمر عليه السلام بقتله، ولا يأمر بقتلها، والأمر بينه وبينها مشترك؟. 

قال أبو محمد - رحمه الله -: وهذه سؤالات لا يسألها إلا كافر أو إنسان جاهل يريد معرفة المخرج من كل هذه الاعتراضات المذكورة؛ قال أبو محمد: الوجه فى هذه السؤالات بَيَّنٌ واضحٌ لا خفاء به والحمد لله رب العالمين، ومعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتل أحد بظنٍ بغير إقرار أو بينة أو علم مشاهدة أو وحى أو أن يأمر بقتله دونها، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم يقينا أنه برىءٌ، وأن القول كذب، فأراد عليه السلام أن يوقف على ذلك مشاهدة، فأمر بقتله لو فعل ذلك الذى قيل عنه، فكان هذا حكمًا صحيحًا فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علم عليه السلام أن القتل لا ينفذ عليه لما يظهر الله تعالى من براءته، وكان عليه السلام فى ذلك كما أخبر به عن أخيه سليمان عليه السلام، ثم ساق حديثًا عن أبى هُرَيْرَةَ - رَضِى اللَّه عَنْه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ»، فذكر كلاما، وفيه أنه عليه السلام، قال «كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلا الْمُدْيَةُ)(110)

قال أبو محمد: "فبيقين ندرى أن سليمان عليه السلام لم يرد قط شق الصبى بينهما، وإنما أراد امتحانهما بذلك وهو لا يريد فعل هذا بلا شك، وكان حكم داود عليه السلام للكبرى على ظاهر الأمر، لأنه كان فى يدها، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد قط إنفاذ قتل ذلك المجبوب، لكن أراد امتحان على فى إنفاذ أمره، وأراد إظهار براءة المتهم، وكذب التهمة عيانا، وهكذا لم يرد الله تعالى إنفاذ ذبح إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ أمر أباه بذبحه لكن أراد الله تعالى إظهار تنفيذه لأمره، فهذا وجه الأخبار، والحمد لله رب العالمين(111)

وقال القاضى "فيه نظر لأنه إنما يصح هذا لو ثبت تقدم قوله: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» على هذا الحديث، فأما إذا لم يثبت، واحتمل أن يكون بعده يكون قوله: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» ناسخًا له حينئذ، ويجب ألا يستباح دمه إلا بالإجماع الذى تقوم به الحجة كما قامت فى الشاهر سيفه ليقتل أو يأخذ مالا على سبيل الحرابة". 

قال أبو المحاسن الحنفى: "ولولا ثبت عنده التقدم لما قال بحله، فإنه أعلى كعبا من أن يقول ما لم يحط به علما سيما فى حل الدم فافهم، والله أعلم"(112)

قلت: ويمكن أن يضاف إلى ذلك " أن النبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين عن طريق التشريع أن جَزَاء من يريد أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حرمه هو القتل، وهو يعلم تمامًا أن الله – عز وجل – سيمهد لبراءته عن طريق كشف سوأته أمام على، فيمتنع على عن قتله، ويعصم الله دمه. 

والدليل على ذلك قول على فى الحديث "أكون فى أمرك... أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، قال الشاهد يرى ما لا يرى الغائب". 

والله تعالى أعلى وأعلم. 

من خلال هذه الأقوال يتضح لنا الآتى: 

أولا: أن الحديث صحيح السند والمتن معًا، ولا مطعن فيه، ولا مغمز. 

ثانيًا: أن هذا الحديث من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم، لأنه علم بطريق الوحى ما بالرجل من علة، فأرد أن يقطع قالة السوء عنه فأمر بقتله لكى يظهر براءة أهل بيته، ويظهر أيضًا براءة الرجل مما نسب إليه والله أعلم. 

ثالثًا: لا ينبغى أن نرد حديثًا لمجرد عدم تسويغه لدى بعض الأفهام، فقد نقلت أقوال العلماء، فى ذلك والتى تبين المعنى الصحيح لفهم الحديث، ومن لم يرق فى ذهنه قول محدث أو فقيه أو عالم يمكن أن يلجأ إلى قول آخر فى تفسير الحديث، وإعمال النص أولى من رده وإبطاله(113). هذا والله أعلى وأعلم. 

وبعدُ، فهذا واقع السنة النبوية اليوم وفيه سرد بعض الشبهات الموجهة إليها، والمأمول أن نترك السنة المشرفة لأهل الشأن والاختصاص لأنهم الأقدر على تمييز الصحيح والسقيم والمقبول من المردود، والأقدر على فهم النصوص، ومعرفة مضامينها، واستنباط الأحكام منها، والأقدر على رد الشبهات التى تثار حولها. أما أن نترك السنة نهبًا لكل أحد، فهذا ما لا يرتضيه عقل سوى، ولا مسلم غيور على دينه. والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا نسلم كل علم وفن لأهله وننازع علماء الحديث فى تخصصهم. هذا وبالله التوفيق. 

أعده 

أ. د/ محمد محمود أحمد بكار

أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بأسيوط

 العودة لصفحة المؤتمر 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) هذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة أخرجها بهذا اللفظ: الدارمى فى - كتاب النكاح – باب فى خطبة النكاح - 2/191 ح (2202)، وأحمد فى المسند 1/392 – 393، 432، 4/8، 8-9، 148 بالأرقام 3720، 3721، 4115، 4116، والحاكم فى مستدركه - كتاب النكاح - 2/199 ح (2744)، وسكت عنه الذهبى، كلهم عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه. 

  (2) وهذا أيضًا مما كان يقوله صلى الله عليه وسلم فى افتتاح خطبته، أخرجه مسلم فى - كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة - 2/592 برقم (867). 

  (3) جزء من حديث أخرجه البخارى بإسناده إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين وإنما أنا قاسم والله يعطى... الحديث"؛ أخرجه البخارى فى - كتاب العلم - باب من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين - 1/39 برقم (71)، وفى - كتاب فرض الخمس - باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [سورة الأنفال، الآية 41] 3/1134 برقم (2948)، وفى - كتاب الاعتصام - باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق … الحديث" - 6/2667 برقم (6882)؛ ومسلم فى - كتاب الزكاة - باب النهى عن المسألة 2/718 برقم (1037) وفى - كتاب الإمارة- باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم 3/1524برقم (1037). 

  (4) انظر: موقع أفق الإسلام - كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها. 

  (5) دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين للشيخ الغزالى – المقدمة- بتصرف يسير. 

  (6) انظر: حجية خبر الآحاد فى العقائد والأحكام - (1 / 2). 

  (7) مختار الصحاح ص 138. 

  (8) لسان العرب ج 13 ص 505. 

  (9) التعريفات للجرجانى ص 165، وانظر: القاموس الفقهى 1/189. 

  (10) الصواعق المرسلة (3 / 925). 

  (11) دفاع عن العقيدة والشريعة المقدمة. 

  (12) انظر: مقدمة كتاب ظلام من الغرب لفضيلة الشيخ الغزالى. 

  (13) موسوعة الغزو الفكرى والثقافى وأثره على المسلمين (11/441). 

  (14) نظرات جديدة فى علوم الحديث للمليبارى (ص 26). 

  (15) المفصل فى أحكام الهجرة (4 / 140). 

  (16) المفصل فى أحكام الهجرة (4 / 140). 

  (17) منهج النقد فى علوم الحديث (338). 

  (18) السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم ص 129 - 131 بتصرف. 

  (19) السنة ومكانتها فى التشريع (ص 3، 4). وانظر: دفاع عن السنة للدكتور أبى شهبة (ص 372)، وقصة الهجوم على السنة للدكتور على أحمد السالوس (ص 35-37) .

  (20) السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم (ص 129 – 131) بتصرف. 

  (21) أخرجه: أبو داود فى – كتاب السنة - باب فى لزوم السنة - ج4/ص200 ح (4604)، والإمام أحمد بن حنبل فى المسند ج4/ص130 (17213)، وابن حبان كما فى (موارد الظمآن) – كتاب العلم - باب فى من كتم علمًا - ج1/ص55 (97)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار ج4/ص209، وغيرهم، كلهم من طريق حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبى عوف، عن المقدام بن معد يكرب عن النبى صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ الألبانى: صحيح (صحيح سنن أبى داود)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن أبى عروف الجرشى فمن رجال أبى داود والنسائى وهو ثقة. 

  (22) المرنان: القوس. (القاموس ص/1595). 

  (23) أى رجوعه إلى السنة عندما بلغته، فى قصص كثيرة، منها: حديث أبى موسى فى الاستئذان، وحديث عبد الرحمن بن عوف فى الطاعون، وحديثه فى أخذ الجزية من المجوس، ودية الأصابع. 

  (24) مقدمة الروض الباسم لابن الوزير. 

  (25) انظر: شبهات القرآنيين لعثمان بن معلم محمود بن شيخ على ص15: 18. 

  (26) دفاع عن السنة (ص 17). 

  (27) أخرجه: الشافعى فى الأم (7/338)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/170): رواه الطبرانى فى الكبير عن ابن عمر، وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه، وهو منكر الحديث، وقال الشيخ الألبانى: ضعيف [السلسلة الضعيفة 3/209 ح(1088)، وقال: منكر. انظر رقم (5439)]. 

  (28) أخرجه: الدارقطنى فى سننه –كتاب الأقضية والأحكام- ج4/ص208، والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول فى أحاديث الرسول (1/233)، والخطيب فى تاريخ بغداد (11/391). 

  (29) أخرجه: الشافعى فى مسنده (1/29)، وعبد الرزاق فى مصنفه – كتاب المناسك - باب الفيل وأكل لحم الفيل (4/534 - ح (8766))، والطبرانى المعجم الأوسط (6-42 ح (5741))، والبيهقى فى السنن الكبرى – كتاب النكاح - باب الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقتدى به فيما خص به ويقتدى به فيما سواه (7/75 ح (13217))، وابن عدى فى الكامل فى ضعفاء الرجال (5/192). قال الشافعى: وهذا منقطع. (مفتاح الجنة ج1/ص27). 

  (30) جامع بيان العلم وفضله (2/191). 

  (31) أخرجه: أبو داود فى –كتاب السنة - باب فى لزوم السنة (2/610 - ح (4604))، وقال الشيخ الألبانى: صحيح. 

 (32) أخرجه: أحمد بن حنبل فى مسنده (3-497 ح (16102)) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. 

 (33) أخرجه: البخارى فى – كتاب الأشربة– باب الشرب من فم السقاء (5/2132 ح (5304)). 

  (34) أخرجه: البخارى فى – كتاب الصلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود- ج2/ص959 ح (2549)، وفى ج2/ص971 ح (2575)، ومسلم فى – كتاب الحدود – باب من اعترف على نفسه بالزنا -ج3/ص1324 ح (1697) عن أبى هريرة. 

  (35) أخرجه: الترمذى فى – كتاب العلم - باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبى صلى الله عليه وسلم ج5/ص38 ح(2664). وقال: حسن غريب من هذا الوجه. 

  (36) جامع العلوم والحكم ج1/ص256. 

  (37) سير أعلام النبلاء ج9/ص524. 

  (38) مفتاح الجنة ص24. 

  (39) المحلى 1/51. 

  (40) الرسالة 1/146. 

  (41) الطرق الحكمية 1/106: 107. 

  (42) أخرجه: البخارى فى - كتاب الجنائز - باب قول النبى صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته - 1/432 1226، وفى كتاب الجنائز - باب البكاء، عند المريض - 1/439 ح (1242)، ومسلم فى - كتاب الجنائز - باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه - 2/640 ح(930)، (928) عن ابن عمر. 

  (43) أخرجه: أبو داود فى – كتاب السنة – باب فى لزوم السنة - 4/200 برقم (4605)، والترمذى فى – كتاب العلم - باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبى صلى الله عليه وسلم - 5/37 برقم (2663)، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وابن ماجة فى – المقدمة - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه - 1/6 برقم (13)، عن المقداد بن معدى كرب. 

  (44) الصواعق المرسلة ص634: ص637 باختصار. 

  (45) الصواعق المرسلة ص638، إعلام الموقعين 2/290: 293 باختصار. 

  (46) القراءة خلف الإمام 1/203. 

  (47) ذكره الشافعى ذلك فى الرسالة 1/224، وأورده ابن الملقن فى تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج 1/30، وعزاه للبيهقى فى المعرفة، والسيوطى فى مفتاح الجنة 1/21. 

  (48) مفتاح الجنة 22: 27. 

  (49) اختلاف الحديث ص484. 

  (50) الاعتصام ص293. 

  (51) فتح المغيث ج3/ص84. 

  (52) انظر: الإحكام لابن حزم ج2/ص208. 

  (53) الإحكام لابن حزم ج2/ص158. 

  (54) أخرجه مسلم 2/ 898 ح (1225) من حديث غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه عن المتعة ؟ فقال فعلناه وهذا يومئذ كافر بالعرش يعنى بيوت مكة، قوله: (وهذا يومئذ كافر بالعرش) أما العرش فبضم العين والراء وهى بيوت مكة قال أبو عبيدة سميت بيوت مكة عرشا لأنها عيدان تنصب ويظلل بها... وأما قوله وهذا فالإشارة بهذا إلى معاوية بن أبى سفيان، وفى المراد بالكفر هنا وجهان: أحدهما: ما قاله المازرى وغيره المراد وهو مقيم فى بيوت مكة قال ثعلب يقال اكتفر الرجل إذا لزم الكفور وهى القرى، والوجه الثانى: المراد الكفر بالله تعالى والمراد أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية مقيم بمكة وهذا اختيار القاضى عياض وغيره وهو الصحيح المختار. 

  (55) فتح البارى - ابن حجر 3/ 566. 

  (56) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 1/444 - وأسد الغابة 1/ 1026- والإصابة فى تمييز الصحابة 6/ 151 ت (8074)- والبداية والنهاية 8/117- وتاريخ دمشق 59/55- والجرح والتعديل 8 / 377 - وتاريخ بغداد 1 / 207 -وأسد الغابة 4 / 432 -والتاريخ الكبير 7 / 326 -وسير أعلام النبلاء 3 / 119 -ونسب قريش للمصعب ص 124 - وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص 233. 

  (57) انظر: الخلافة فى الحضارة الإسلامية ص 83، ومعاوية أمام محكمة الجزاء ص71. 

  (58) أخرجه: أحمد بن حنبل فى المسند 2/187 ح(6755) عن ابن عمرو، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف. 

  (59) أخرجه: أبو داود فى – كتاب السنة – باب فى الخلفاء-2/622 ح(4646)، والترمذى فى – كتب الفتن – باب ما جاء فى الخلفاء- 4/ 503 (2226)، وقال: حسن، والإمام أحمد فى المسند 5/221 ح (21978) كلهم عن سفينة. 

  (60) أخرجه: البخارى فى –كتاب الصلح– باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للحسن إن ابنى هذا سيدا – 2/962 ح (2557). اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّى لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ - أَىْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِى بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِى بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِى بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولاَ لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالاَ لَهُ فَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِى دِمَائِهَا قَالاَ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِى بِهَذَا قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلاَّ قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ «إِنَّ ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » قَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِى بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وانظر: الأحاديث (3430)، (3536)، (6692). 

  (61) أخرجه: البخارى فى – كتاب المناقب – باب علامات النبوة فى الإسلام – 3/1328 ح(3430). 

  (62) أخرجه: الترمذى فى – كتاب المناقب – باب مناقب معاوية بن أبى سفيان – 5/687 ح(3842) وقال: حسن غريب، وقال الشيخ الألبانى: صحيح، وأحمد بن حنبل فى المسند 4/216 ح(17926). 

  (63) أخرجه: أحمد بن حنبل فى المسند 4/127 ح(17192)، وابن خزيمة فى صحيحه – كتاب الصيام - باب ذكر الدليل أن السحور قد يقع عليه اسم الغداء - 3/214 ح(1938) وقال الشيخان الألبانى وشعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف الحارث مجهول. 

  (64) أخرجه: ابن أبى شيبة فى مصنفه 6/207 ح(30715)، والطبرانى فى المعجم الكبير 19/361 ح(850). 

  (65) تاريخ دمشق 6/ 422. 

  (66) مصنف ابن أبى شيبة 7/271 ح(36005). 

  (67) تاريخ دمشق 59/ 176 - وتاريخ الإسلام 1/ 547. 

  (68) الصواعق المحرقة 2/ 622: 630، وانظر: معارج القبول 3/ 1017، وتاريخ دمشق 59/ 68. 

  (69) العواصم من القواصم 1/ 213: 223. 

  (70) العواصم من القواصم 1/221. 

  (71) دين السلطان ص36، 37. 

  (72) أخرجه البخارى كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية رضى الله عنه 3/ 1373 ح (3554). 

  (73) أخرجه البخارى: كتاب الجهاد السير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 3/ 1027 ح(2636)، ومسلم كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 37/1518 رقم 1912. 

  (74) البداية والنهاية 8/229، وينظر: النهاية فى الفتن والملاخم 1/17، وفتح البارى 6/23، 120 أرقام 2799، 2800، 2924. 

  (75) "قد أوجبوا" قال ابن حجر: أى فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة، قال المهلب وفى الحديث: منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبه لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر. ينظر: فتح البارى 6/120 –121 رقم 2924. 

  (76) أخرجه البخارى كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل فى قتال الروم 3/1069 ح(2766). 

  (77) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب مناقب معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه 5/645رقم 3842 من حديث عبد الرحمن بن عميرة رضى الله عنه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وينظر: منهاج السنة 3/185، والبداية والنهاية 8/124 - 125. 

  (78) تاريخ ابن خلدون 2/458. 

  (79) مختصر تاريخ دمشق 1/ 346 وانظر تهذيب الكمال 1/339. 

 (80) أخرجه: البخارى فى كتاب الجهاد والسير - باب ما قيل فى درع النبى صلى الله عليه وسلم والقميص فى الحرب... 3/1068 ح (2759) وفى كتاب المغازى باب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم 4/1620 ح(4197)، ومسلم فى كتاب المساقاة باب الرهن وجوازه فى الحضر والسفر 3/1225ح (1603)، والنسائى فى كتاب البيوع باب مبايعة أهل الكتاب 7/303 ح (4650)، وابن ماجة فى كتاب الرهون - باب (1) 2/815 ح (2436)، والإمام أحمد بن حنبل فى مسنده 6/237 ح (26040)، وابن حبان كما فى الإحسان – كتاب الأضحية - ذكر خبر قد شنع به بعض المعطلة على أهل الحديث حيث حرموا التوفيق لإدراك معناه 13/262 ح (5936). 

  (81) أخرجه: الطبرانى فى المعجم الكبير 1/331 ح (989) والرويانى فى مسنده 1/462 ح (695)، وقال الهيثمى: رواه الطبرانى فى الكبير والبزار وفيه موسى بن عبيدة الربذى وهو ضعيف. 

  (82) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 1/195. 

  (83) أخرجه: أبو داود فى –كتاب الفرائض- باب ما جاء فى حكم أرض خيبر- 2/173 ح(3008)، وقال الشيخ الألبانى: حسن الإسناد. 

  (84) البداية والنهاية 4/200. 

  (85) فتح البارى 6/206. 

  (86) أخرجه: ابن حبان كما فى الإحسان –كتاب الغضب- ذكر الإخبار عما يجب على المرء من رد حقوق الناس عليهم وتركه الاتكال على هذه الدنيا الفانية الزائلة- 11/565 ح (5160). وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرطهما، وأبو يعلى فى مسنده 12/447 ح (7017). وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح، وابن أبى شيبة فى مصنفه 7/83 ح(34372). والبيهقى فى السنن الكبرى كتاب قسم الفيء والغنيمة باب الاختيار فى التعجيل بقسمة مال الفيء إذا اجتمع6/357ح(12809). 

  (87) تأويل مختلف الحديث 1/ 143. 

  (88) تأويل مختلف الحديث 1/ 143. 

  (89) فتح البارى 5/141. 

  (90) حاشية البجيرمى على الخطيب 6/178. 

  (91) حاشية الجمل 12 / 147. 

  (92) الأحكام السلطانية 1/ 349. 

  (93) فتح البارى ج5/ ص141. 

  (94) ركى: وهو بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء بعدها البئر المطوية. (فتح البارى 10/77- مشارق الأنوار 1/290). 

  (95) فى - كتاب التوبة - باب براءة حرم النبى صلى الله عليه وسلم من الريبة - 4/2139 ح (2771). 

  (96) فى مسنده 3/281 ح (14021). 

  (97) فى المستدرك على الصحيحين – كتاب معرفة الصحابة – ذكر سرارى رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/42 ح (6824)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبى. 

  (98) فى غوامض الأسماء المبهمة فى - ذكر مأبور مولى النبى صلى الله عليه وسلم 1/497. 

  (99) فى مسنده 2/237 ح (634)، وقال الهيثمى: رواه البراز، وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس، ولكنه ثقة، وبقية رجاله ثقات، وقد أخرجه الضياء فى أحاديثه المختارة على الصحيح. (مجمع الزوائد 4/329). 

  (100) فى حلية الأولياء 3/177. 

  (101) فى الأحاديث المختارة 2/353 ح (735)، وقال: إسناده حسن. 

  (102) فى تاريخ مدينة دمشق 3/236. 

  (103) فى غوامض الأسماء المبهمة 1/498. 

  (104) فى مسنده 1/83 ح (628) مختصرًا. 

  (105) فى التاريخ الكبير 1/177 ترجمة (538)مختصرًا. 

  (106) زاد المعاد 5 /16. 

  (107) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص38، 39. 

  (108) زاد المعاد 5 /16. 

  (109) شرح النووى على صحيح مسلم 17/119. 

  (110) أخرجه: البخارى فى كتاب الأنبياء – باب قول الله تعالى "ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب"- 3/1260 ح (3244)، ومسلم فى - كتاب الأقضية - باب بيان اختلاف المجتهدين - 3/1344 ح (1720)، والنسائى فى - كتاب آداب القضاء - باب حكم الحاكم بعلمه- 8/234ح (5402)، وفى السنن الكبرى – كتاب القضاء – باب التوسعة للحاكم فى أن يقول للشئ الذى لا يفعله أفعل ليستبين له الحق - 3/472 ح (5958)، والإمام أحمد بن حنبل فى مسنده 2/322 ح (8263)، وعبد الرزاق فى مصنفه – كتاب الطلاق - باب المرأتين تدعيان - 7/361 ح (13481)، وأبو عوانة فى مسنده 4/174ح (6417). 

  (111) المحلى 11/413: 415. 

  (112) معتصر المختصر 2/151: 152. 

  (113) انظر: موقف الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالى من السنة النبوية عرض ونقد ج1/ ص 471.