كلمة رئيس الجلسة
أ . د . أبو لبابة الطاهر حسين
أستاذ الحديث بجامعة الإمارات العربية المتحدة - ورئيس جامعة الزيتونة بالجمهورية التونسية سابقًا
العودة لصفحة المؤتمر
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبى الأسعد الكريم، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوة الإسلام إلى يوم الدين، هذه الجلسة السابعة هى الجلسة الختامية لهذا اليوم، وهى حلقة منيرة ومستنيرة، وسوف نستمع فيها إلى حديث، يبين لنا كيف نبلِّغ الحديث، كيف ندرس الحديث، حتى تكون مادة مهمة يتشربها طلابنا ثم يتمثلونها ثم يخرجونها إفادة وفائدة لأنفسهم أولا ثم للأمة قاطبة، وخدمة لهذا الركن الركين من ديننا، وهو السنة النبوية الشريفة .
سنستمع فى هذه الجلسة إلى ثلاثة باحثين، الأول الأستاذ الدكتور حمزة بن عبد الله المليبارى، وعنوان بحثه هو ما أحوجنا إلى تصحيح المسار فى تدريس علوم الحديث، والباحث الثانى هو الأستاذ الدكتور سعيد محمد صالح صوابى، وعنوان بحثه المتابعة عند المحدثين عرض وتمحيص، والباحثة الثالثة هى الدكتورة إيمان محمد على عادل عزام، وعنوان بحثها فقه الضوابط التى غابت عن البعض فى أثناء الحكم على الحديث فى ضوء قواعد الفقهاء والمحدثين .
ولا شك أنكم قد سعدتم لا سيما والجلسة الماضية كان قد تبحبح فيها أعضاؤها، ونال كلٌ أكثر حتى من نصيبه المعين، ولهذا نحن وإن كنا نريد أن نضغط بعض الشىء على الوقت، ولكن سوف لن نغمط أيا من إخواننا حقه فى الوقت المناسب حتى يؤدى ما أراده فى دقة وإتقان .
أخى العزيز د حمزة المليبارى، لا شك أن العديد منكم يعرف عنه الكثير الكثير، ولكن نذكِّر ببعض ما نُشر له من ذلك: الحديث المعلول، نظرات جديدة فى علوم الحديث، الموازنة بين المتقدين والمتأخرين فى تصحيح الأحاديث وتعليلها، تصحيح الحديث عند ابن الصلاح، عبقرية الإمام مسلم فى ترتيب أحاديث مسنده الصحيح، كيف نُدرِّس علم تخريج الحديث .. وغيرها من الأبحاث والجهود القيمة التى يبذلها فى كلية الدراسات الإسلامية . له عشرون دقيقة فليتفضل مشكورًا مأجورًا .
كلمة رئيس الجلسة : أ . د . أبو لبابة الطاهر حسين بعد البحث الأول وتقديم البحث الثانى
شكرًا للأستاذ الدكتور حمزة على ما قدمه فى هذه الورقة الجيدة، والذى أنصح نفسى به وأنصح طلابنا وإخواننا أن نتعلم المنهج، وأن ندقق المنهج، فإذا حددنا موضوع ينبغى ألا نخرج عن هذا الموضوع، ما يُعيِّرنا به خصومنا هو أننا لا نحدد منهجًا، نجد إنسان يكتب كتابًا مثلا عن (السنة قبل التدوين) وإذ به يتحدث عن ابن حجر وعن القرن الرابع والقرن الخامس عشر وغير ذلك، هذا غير مقبول، إذا كتبتَ عن السنة قبل التدوين فلا ينبغى أن تتجاوز هذه الفترة، ينبغى أن نتعلم المنهج، ينبغى قبل أن نكتب العنوان أن نحدد له زمنه ونحدد موضوعه ونحدد عناصره، ولا نتجاوزها قِيد أنملة، لأن أى تجاوز لها سنكون من الفوضويين، وهذه التهمة ينبغى أن نزيلها لأن علمائنا وأفذاذنا ليسوا فوضويين، وإنما كانوا فى قمة الدقة، ولكن الفوضى جاءت من بعض التلاميذ غير المؤهلين، ثم من بعض الفوضى التى ورثوها أيضًا عن بعض المدرسين الذين لم يجدوا المنهجية ولم يتعلموها لا فى الثانوى ولا فى العالى، قضية المنهيجة قضية مهمة جدًا، ونحن إذا أردنا أن نصل إلى النتائج الباهرة المفيدة، والتى تلقم خصومنا وأعدائنا حجرًا ؛ ينبغى أن نلتزم بهذه المنهجية، وأن نحترمها .
كتبٌ كثيرة تجد العنوان فى وادٍ والحديث والموضوع فى وادٍ آخر، وهذا مرفوض، فالزيادة تقتل مريض كما يقولون، فيجب ألا يزيد وألا ينقص، يلتزم بالعنوان ويلتزم بالعناصر ؛ حتى تكون الدراسة محترمة، وحتى ينظر إليها تقدير، وحتى نستفيد ولا نضيع وقتنا .
نرجو أن نلتزم دائمًا بهذا المنهج الدقيق، وينبغى أن تكون مناهج التعليم ومناهج التدريس ومناهج البحث ملتزمة بهذا المنهج الدقيق، فى كل المراحل التدريسية، سواء كان فى الدراسة أو فى التدريس .
الموضوع الثانى مقدم من فضيلة الأستاذ الدكتور سعيد بن محمد بن صالح بن صوابى، والأخ الدكتور جمع المحاسن كلها، حفظ كتاب الله برواية حفص عن عاصم وبرواية ورش عن نافع، فضلا عن تبحره فى علوم الحديث، رغم صغر سنه فهو من مواليد سنة 1955، الشيخ له عدة كتابات منها التوجيهات اللغوية للأمة الإسلامية، ثم له كتاب ثمار من السنة، وفيه شرح بسيط يجمع بين التحليل والموضوعية لبعض الأحاديث النبوية، وكتاب المعين الرائق لسيرة خير الخلائق، وكتاب الأرحام حصن لا يُقتحم .. إلى غير ذلك .
إذن مُحدثنا رجل مطلع، رجل يملك كتاب الله ، يملك سنة النبى، ولا شك أن حديثه عن المتابعة عند المحدثين سيكون حديثًا شيقًا، ونرجو أن يكون منهج هذا البحث دقيقًا، فلا يخرج بنا عن المتابعات، وعن دور المتابعات عند المحدثين فى الحكم على الحديث الشريف، فليتفضل مأجورًا مشكورًا .
كلمة رئيس الجلسة : أ . د . أبو لبابة الطاهر حسين بعد البحث الثانى وتقديم البحث الثالث
شكر الله لك، وشكرًا لهذا الدرس الجميل، بالطبع منهج الاعتبار والمتابعات والشواهد ينبغى أن يُلم به كل طالب علم شرعى، كل طالب يجهل هذا المبحث يكون فيه نقص يعسر سده، ومن هنا ينبغى أن ندرس هذا المبحث وأن نميز بين المتابعات وبين الشواهد، وأهمية المتابعة ودورها - كما هو معروف عندنا - هو ترقية الراوى الضعيف وجبر ما فيه من ضعف، هذا الهدف من المتابعة، ومنه ينبغى أن نبحث عن الراوى الضعيف ونبحث عمن يتابعه، وبذلك نُصلح ونجبر الضعف، أما أن إنسان يده مكسوره فنعطيه إسبرين أو نعطيه دواء للرأس - هذا لا علاج فيه، فالعلاج يجب أن يكون فى محل الضعف بالضبط، ومن هنا كان العسر وكانت الصعوبة، وكما أشار الشيخ أن الشواهد لا تجبر ضعف، وإنما تخرج بنص الحديث من طور الغرابة إلى طور العدة والشهرة وحتى التواتر كما قال، فى حين أنَّا نجد أن العديد من الباحثين يقول "ارتقى بالشواهد "، وهذا خطأ فالشواهد لا تجبر ولا ترقى، الشواهد فقط تخرج النص من دائرة الغرابة إلى دائرة الشهرة .
إذن خلاصة القول فى هذا الموضوع - ينبغى على كل متخصص فى مجالات الشريعة سواء كان فى التفسير أو فى الحديث أو فى الفقه أو فى الأصول أو فى العقيدة - ينبغى أن يُلم بهذا البحث، وينبغى أن تكون دراسته إجبارية ؛ حتى تزود الطالب بالأساليب التى تجعله يحكم حكمًا رشيدًا على الحديث ويتمكن من دراسة ومعرفة ما هو ضعيف وكيف يرتقى، وبذلك نوصد بابًا يأتينا منه الكثير من النقد والتجريح من خصومنا العلمانيين وهم كُثر، فأجدد شكرى للشيخ وجزاك الله كل خير .
الآن مسك الختام هو حديث الأستاذة الدكتورة إيمان محمد على عادل عزام، وهى أستاذة بارعة وقد بذلت الكثير من الجهد وأنتجت الكثير من الدراسات، ودراساتها دراسات مهمة، لعل من أهمها نفى التعارض عن أحاديث الأحكام، وهذا كان موضوع رسالة الماجستير، وأحكام النساء لابن العطار تحقيق ودراسة، وهذا كان موضوع رسالة الدكتوراة، كما أن لها بحث مهم هو صفة الرحمة فى حياة الرسول، ولأننا فى عصر المرأة فإننا نزيدها دقيقتين عن بقية الباحثين، فلها اثنتان وعشرون دقيقة، فلتتفضل مشكورة .
كلمة رئيس الجلسة : أ . د . أبو لبابة الطاهر حسين بعد البحث الثالث والمداخلات
شكرًا للأستاذة الدكتورة إيمان على هذا البحث القيم الذى وضعت له منهجًا دقيقًا والتزمت به ، وهذا ما نريده ونطلبه من إخواننا وطلابنا أن يكونوا منهجيين . وكما استمعنا فإن الدكتورة انتصرت للحديث وهذا أمر مهم جدًا ، وانتصرت للمحدثين وهذا مهم جدًا ، ولكن كأنها تريد أن تحمل العديد من الباحثين والدارسين على التوجس من الاجتهاد ، أخالفها فإن باب الاجتهاد فى التصحيح والتحسين والتضعيف ينبغى أن يبقى مفتوحًا ، وينبغى أن يبقى الباب مشرعًا ، والأبواب مشرعة فى وجوه الدارسين والباحثين ، وتعلمون جميعًا كيف لقى ابنَ الصلاح رحمه الله من التعنت ومن الهجوم بناءً على قولته التى تقول " لنلتزم بما حكم به الأوائل " طالما أن عصره كما نعرف جميعًا كان عصرًا مضطربًا ، حيث كانت بوادر سقوط بغداد قريبة فقد توفى فى عام 643 هـ ، وبغداد سقط فى عام 656هـ ، والظروف كانت عسيرة وصعبة ، وطلب العلم كان لم يكن على درجة من الازدهار ، فقال " نلتزم بما قال به علماؤنا وأوائلونا" ، فأُخذت عليه هذه المقولة مأخذًا كبيرًا ، واعتُبر المحدثون كلهم رجالا متخلفين ، رجالا ضد الاجتهاد ، رجالا ضد إعمال الرأى ، إلى غير ذلك من الهراء الذى يقوله العلمانيون وخصوم وأعداء الدين وأعداء السنة النبوية بالخصوص .
فى حين أن الإمام النووى (المتوفى سنة 676 هـ) كان قد نادى إلى الاجتهاد وسمح بالاجتهاد فى التصحيح والتحسين والتضعيف لكل من ملك أدوات هذا الاجتهاد ، فضلا عن الإمام السيوطى الذى اعتبر نفسه من كبار المجتهدين فى هذا الباب . فلا يجوز بحال أن نغلق باب الاجتهاد فى التصحيح والتحسين والتضعيف ، لكن لابد أن نُلزم كل من يتناول هذا الموضوع أن يكون مؤهلاً وأن يكون مزودًا بأدوات الاجتهاد حتى تكون أحكامه صائبة ، وحتى لا يُوقع المحدثين وأهل السنة فى متاهات ، وكما نعرف جميعًا أن خصوم الإسلام ينتظرونها ويتصيدونها .
إذن باب الاجتهاد بالنسبة لشبابنا مفتوح بشرط أن يتزودوا وأن يتعلموا وأن يعرفوا طريقة الحكم ؛ حتى لا يقعوا فى المطبَّات ، وحتى لا يرتطموا فى هوة الانحراف والظلام .
نشكرها شكرًا ثانيًا على هذه المداخلة أو هذه الورقة القيمة .
مداخلة من أحد السادة الحضور
بسم الله الرحمن الرحيم ، لى تعقيب على ما قاله ابن الصلاح ، فابن الصلاح لم يقفل باب الاجتهاد ، وإنما كان يتكلم على نوع خاص من الحديث ، ذلك النوع الذى ليس فى الكتب المشهورة ولا فى الدواوين ، وإنما فى بعض الأجزاء التى لا يعرف مصدرها ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى ينبغى أن نعلم أن هناك فرقًا بين أن القدماء لم يحكموا على حديث - فلنا أن نجتهد فهذا حق - وأن القدماء لهم موقفهم من الحديث ، فيكون اجتهادنا فى الترجيح ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
مداخلة الدكتور عبد الله دمفو
بسم الله الرحمن الرحيم ، أنا أريد أن أسأل فى مسألة الاجتهاد أو المدرسة العقلية التى أشير إليها فى بعض أوراق العمل ، نحن نعلم أن هناك موقفًا واضحًا من المدرسة العقلية من المتن ، وأنا أريد أن أسأل ما مدى تطبيق المدرسة العقلية على الإسناد ، وما حدودها ؟ خاصة ونحن نرى الآن تغيرًا فى المفاهيم والمصطلحات ، فمنذ عشرين سنة مثلاً ونحن نسمع أن الصدوق الذى يخطئ أو له أوهام حديثه ضعيف ، وهذا غير صحيح ؛ لأنه يحتفظ بالأصل أنه صدوق ، فحديثه حسن ، فإن ثبت تغير فأنا أضعف حديثه ولا أضعف حديثه مطلقًا ، وهذه قضية تحتاج إلى توضيح .
والقضية الثانية خاصة بالدكتور سعيد صوابى الذى تكلم فى موضوع المتابعة ، فعقلاً تأخذ المتابعة من الأعلى ، فهل نستطيع عقلاً أيضا أن نأخذ المتابعة من الأسفل ؟ فنحن فى المتابعة قد نقارن بين سندين أحدهما عال والآخر نازل ، ألا يمكن هنا أن أقلب النظر فى المتابعة ، بمعنى أن يكون المؤلف قد روى عن شيخ روى بالإسناد النازل ، وهناك شيخ آخر قد روى الحديث بإسناد عال فحدثت المتابعة ، ألا يمكن هذا ؟ وهذه قضية أحببت أن أثيرها .
والحديث الذى أشار إليه الدكتور سعيد قد علمت أن المدار فيه الإمام الثورى ، والخلاف يقع عمن روى عنه وهو أبو حمزة ، فهل هو أبو حمزة الضعيف أم الثقة ؟ فنرجع فيها إلى علم العلل ، وهذه قضية أظن أن فيها إعمالاً للعقل أيضًا .
والقضية الأخيرة هى : أنى أريد أن أسأل : هل هناك مدارس حديثية ، نستطيع أن نقول إن علماء قطر ما أو بلد ما أو إقليم ما لهم منهج معين وقد استقر عندهم ، مثل الخلاف الذى حصل بين مدرستى الحديث والرأى فى العراق والحجاز ، فهل هناك فعلا مدارس حديثية تتعلق بسند الحديث لا بمتنه تختلف هذه المدارس باختلاف الأمصار ؟ وشكرًا .
مداخلة الأستاذ إبراهيم فهمى
سأروى قصة للإمام أحمد تعبر عما أريد أن أقول :
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه : ما تقول فى حديث ربعى عن حذيفة ؟ قال: الذى يرويه عبد العزيز بن أبى روَّاد ؟ قلت: يصح؟ قال: لا الأحاديث بخلافه، وقد رواه الخياط عن الربعى عن رجل لم يسموه . قال: قلت له: فقد ذكرتَهُ فى المسند. فقال : قصدت فى المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله تعالى ، ولو أردت أن أقصد ما صح عندى لم أرو من هذا المسند إلا الشىء بعد الشىء ، ولكنك يا بنى تعرف طريقتى فى الحديث لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن فى الباب ما يدفعه .
سؤال من أحد السادة الحضور:
هناك أحاديث وردت فى صحيح مسلم من رواية أبى الزبير عن جابر من غير طريق الليث ، وهى فى أول الباب ، فهل لهذا تفسير أو عذر لإخراج الإمام هذا ، أم أننا يمكن الحكم عليه ؟
رد الدكتور حمزة المليبارى
هذه مشكلة المشاكل ، ننظر فى الراوى فنقول هذا أبو الزبير عن جابر لم يأت من طريق الليث وإنما من طريق آخر ، هناك مقولة : إذا روى الليث عن أبى الزبير لا يوجد احتمال للتدليس .
هذه النظرة السطحية هى التى أدت إلى هذا الإشكال ، فكيف نعترض على هؤلاء الأئمة إذا تأكد لدينا أن هذا الحديث تفرد به الليث بن سعد عن أبى الزبير فنضعف الحديث ، من قال هذا ؟ هذا الأمر هو الذى نريد أن نعالجه ، فلا بد أن نجمع طرق الحديث ونقارن بينها ، ثم نرجح بينها بالأدلة العلمية الموجودة .