منهج تحقيق كتب الحديث الشريف قديمًا وحديثًا

أ. د رضا زكريا محمد عبد الله حميدة 

أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة

   العودة لصفحة المؤتمر 

 

 المبحث الأول: الأصول المتفق عليها بين القدامى والمعاصرين. 
المبحث الثانى: خصائص التحقيق عند القدامى.
المبحث الثالث: المثال التطبيقى للتحقيق عند القدامى "تحقيق اليُونِينِى لصحيح البخارى". 
المبحث الرابع: خصائص التحقيق عند المعاصرين. 
المبحث الخامس: المثال التطبيقى للتحقيق عند المعاصرين "تحقيق جمعية المكنز الإسلامى لمسند أحمد". 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، يا ربّ لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله - وحده لا شريك له - وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله. اللهم صل على سيدنا محمد النبى الأمى، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته، كما صليت على آل إبراهيم فى العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأربعة: أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، وسائر العشرة المبشرين، والصحابة أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد

فالحديث النبوى الشريف هو المصدر الثانى فى الإسلام بعد مصدره الأول؛ القرآن الكريم، وقد أُمرنا بحفظه ونشره وروايته ونقله، وقد قامت الأمة الإسلامية بذلك منذ زمن نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم – إلى يومنا هذا، وقد قعَّد أهل الحديث (1) منذ قرون عديدة قواعد كتابته وتقييده وضبطه، والمقابلة بين نسخ الكتاب الواحد؛ حتى أصبح من المسلمات العلمية أن أهل الحديث هم أوَّل مَن اهتم بالضبط والمقابلة والتحقيق. 

وظنَّ بعض المفتونين (2) بالحضارة الغربية الأوربية أن فن تحقيق النصوص أسسه الأوربيون المستشرقون، وقد كفانا فى الرد عليهم محدّث الديار المصرية، القاضى الشرعى، الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر فى مقدمة تحقيقه لكتاب جامع الترمذى ردًّا بليغًا يجب قراءته. 

بل صرَّح المستشرق الألمانى "برجشتراسر" فى محاضراته التى ألقاها على طلبة الماجستير بقسم اللغة العربية فى كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1969 م، التى نشرت بعنوان "أصول نقد النصوص ونشر الكتب" نشرها تلميذه د.محمد حمدى البكرى: بأن العلماء الأوربيين فى القرن الخامس عشر الميلادى لم يكن لهم منهج معلوم ولا قواعد متبعة فى تحقيق الكتب وتصحيحها؛ فكانوا إذا وجدوا كتابًا من الكتب اليونانية واللاتينية القديمة، قاموا بطبعه ولا يبحثون عن النسخ الأخرى لهذا الكتاب، ولا يصححون إلا أخطاءه اليسيرة، ثم ارتقوا إلى جمع النسخ والمقابلة بينها. وما زال الأمر كذلك إلى أواسط القرن التاسع عشر الميلادى حين وضعوا أصولا علمية لنقد النصوص ونشر الكتب القديمة (3). اهـ

هذا، وموضوع هذا البحث هو "منهج تحقيق كتب الحديث قديمًا وحديثًا" وقسمته إلى خمسة مباحث: 

المبحث الأول: الأصول المتفق عليها بين القدامى والمعاصرين. 

المبحث الثانى: خصائص التحقيق عند القدامى. 

المبحث الثالث: المثال التطبيقى للتحقيق عند القدامى "تحقيق اليُونِينِى لصحيح البخارى". 

المبحث الرابع: خصائص التحقيق عند المعاصرين. 

المبحث الخامس: المثال التطبيقى للتحقيق عند المعاصرين "تحقيق جمعية المكنز الإسلامى لمسند أحمد". 

وأود أن أشير بادئ ذى بدء أننى أكتفى بالإشارة دون الاستيعاب فى المباحث المتقدمة، وإلا ففى التحقيق كتب مفردة، وهذا أوان الشروع فى المقصود بعون الملك المعبود، فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

 

المبحث الأول: الأصول المتفق عليها بين القدامى والمعاصرين:

هذه ثلاثة أصول مشتركة اتفق عليها القدامى من أهل الحديث والمعاصرون منهم: 

الأصل الأول: التثبت من نسبة الكتاب إلى مؤلفه: 

مجرد الوقوف على نسخة خطية عليها اسم مؤلفها لا يلزم أن الكتاب من تأليفه، فينبغى عند أهل الحديث أن يكتب الطالب صاحب النسخة بعد البسملة اسم الشيخ الذى سمع الكتاب منه، وكنيتَه ونَسَبه، ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه. 

كما ينبغى أن يكتب الطالب فوق سطر البسملة أسماء من سمع معه من الطلبة، وتاريخ وقت السماع، ولا بأس بكتابته آخر الكتاب، وحيث لا يخفى موضعُه، وينبغى أن يكون التسميع بخطِّ شخص موثوق به غير مجهولِ الخطِ (4). اهـ

وبعبارة أخرى على سبيل الاختصار؛ يتثبت من نسبة الكتاب إلى مؤلفه بالعناية بالعناصر الآتية: 

          أ- أن يكون ثابتًا على النسخة اسمُ الشيخ صاحب الكتاب، وكنيتُه ونَسَبُه برواية تلميذه صاحب النسخة عنه. 

        ب- أن يكون ثابتًا على النسخة أسماءُ السامعين من أقران الطالب على أول النسخة، أو آخرها، أو فى موضعٍ ظاهرٍ فردًا فردًا بأسمائهم وأسماءِ آبائهم وما يميزهم من وصف ونحوه. 

        جـ - أن يكون كاتب التسميع ثقةً غير مجهول الخط، وأمينًا فيمن يثبته. 

       د- كتابة وقتِ السماع وتاريخِه بذكر اليوم والشهر والسَّنَة، ولا بأس بكتابة مُدَّة السماع بذكر عدد مجالس السماع للكتاب من الشيخ. 

ومثال ذلك ما جاء فى آخر المجلد الثامن من السُّنَن الكبرى للبيهقى بما نصه: 

"بلغت وبلغ سماعهم والعرض على الإتقان بالأصلين فى المجلس السابع عشر بعد ستمائة بدار الحديث الأشرفية – ولله سبحانه الحمد الأتم - فى الخامس عشر أو السادس عشر من جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة. 

بلغ السيد الشريف، عز الدين – أيده الله تعالى – سماعًا بقراءته من أول كتاب السنن الكبير إلى ههنا، ووافق فراغه من ذلك الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وستمائة فى الميعاد الخامس والخمسين من هذا المجلد، فلله الحمد. بلغ سماع الجماعة – حرسهم الله تعالى – بجامع مصر – حماهما الله – فى الثانى والعشرين، ولله الحمد. 

قال فى الأم المنقول منها: سمع جميع هذا الكتاب – وهو المجلد الثامن من السنن الكبير للبيهقى – على الشيخ الإمام، العالم العامل البارع الفاضل الضابط المتقن الحافظ المفنن، صدر الحفاظ، مفتى الشام، بقية السلف الصالح، تقى الدين، أبى عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزورى، البِصرى الشافعى – أيده الله بطاعته، وأثابه الجنة برحمته – بسماعه – متع للإسلام بطول بقائه – من الشيخ الزكى أبى بكر، أبى القاسم، أبى الفتح: منصور بن أبى المعالى عبد المنعم بن أبى البركات عبد الله ابن الإمام أبى عبد الله محمد بن الفضل الصاعدى الفراوى بنيسابور – خيرها الله – قال: أخبرنا الشيخ أبو المعالى محمد بن إسماعيل بن محمد الفارسى قال: أخبرنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى الخُسْرَوْجِرْدِى - رحمه الله – بقراءة الشيخ، الفقيه، مجد الدين، أبى عبد الله: محمد بن محمد بن عمر بن الصفار الإسفرائنى، علم الدين أبو الحسن على بن أحمد بن محمد العطار الإشبيلى، وشهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعى، وشرف الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الموصلى، وموفق الدين أبو الفتح نصر بن عز الدولة بن عيسى الحنفى، وفخر الدين عمر بن يحيى بن عمر الكرخى، وعماد الدين داود بن سليمان بن على الحموى، وكمال الدين إسحاق بن أحمد بن عثمان المقدسى، وزين الدين يحيى بن خليل بن عمر الصمصاطى.... إلخ. 

وآخر السماعات: 

صح ذلك وثبت فى مجالس، آخرها يوم الأحد الخامس والعشرون من جمادى الآخرة، سنة أربع وسبعين وستمائة بالقاهرة المعروفة بالمدرسة السلطانية الطاهرة، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد نبيه، وآله وصحبه وسلامه) (5). اهـ

وللمعاصرين طرق أخرى فى توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، يمكن اختصارها فيما يلى: 

الأولى: أن يصرِّح المؤلف أو يشير إلى عنوان كتابه الذى نحن بصدد تحقيقه فى بعض كتبه الأخرى، فقد ترجم الحافظ السيوطى لنفسه، وذكر أسماء مؤلفاته فى كتابه "حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة" 1/339-344 ط عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر، ط الأولى سنة 1387 هـ - 1967 م. 

الثانية: وجود اقتباسات حرفية من الكتاب فى الكتب المؤلفة متأخرة عن المؤلف، الناقلة من كتابه. 

الثالثة: ذكر عنوان الكتاب فى كتب التراجم التى ترجمت للمؤلف، وتنصيصها على أن الكتاب مؤلفاته. مع ملاحظة أن عدم ذكر الكتاب فى كتب التراجم ليس دليلًا على عدم صحة نسبته للمؤلف؛ لأن أصحاب كتب التراجم لم يلتزموا استيعاب مصنفات صاحب الترجمة، إنما قصدو التمثيل لا الحصر. 

الرابعة: الوقائع والأحداث التاريخية (6) من خير الوسائل فى زيف نسبة كتاب إلى مؤلف مات قبل تلك الأحداث التاريخية، فكيف يؤرخ لها ؟!

وضرب العلامة عبد السلام هارون – رحمه الله تعالى – مثالًا بكتاب "تنبيه الملوك والمكايد" الذى نسب إلى عمرو بن بحر الجاحظ؛ صاحب الكلام والمصنفات، المتوفى سنة خمسين ومائتين (7)، فمن أبواب الكتاب: باب "نُكَت من مكايد كافور الإخشيدي" و"مكيدة توزون بالمتقى لله" وكافور الإخشيدى كان يحيى بين سنتى 292هـ، 357هـ، والمتقى لله كان يحيى بن سنتى 297هـ، و357هـ فهذا كله تاريخ بعد وفاة أبى عثمان الجاحظ بأكثر من مائة سنة! فنسبة الكتاب إلى الجاحظ زيف لا ريب فيه (8).

الخامسة: التمرُّس بأسلوب المؤلف فى سائر كتبه الأخرى حتى نستصحب أسلوبه وعقله وروحه فى كتابه الذى نتصدى لتحقيقه، وكذا قراءة الكتاب كاملا للتثبت من أسلوب المؤلف وآرائه، والإلمام بأساليب المتقدمين ضرورى جدا فى إقامة جدًّا فى إقامة النص أيضًا وعدم التجاسر والإقدام على تغييره. 

واستدل العلامة عبد السلام هارون على عدم صحة نسبة الكتاب المذكور قريبا إلى الجاحظ بأن أسلوب مقدمة الكتاب وحدها لا ينتمى إلى قلم (9) الجاحظ مطلقًا. 

الأصل الثانى: جمع نسخ الكتاب الواحد، والمقابلة بينها: 

لا بدَّ من مقابلة نسخ الكتاب بعضها ببعض حتى يروى المسلم كتابًا من كتب الحديث، وتسمى المقابلة، وتسمى أيضًا المعارضة، والأصل فيها معارضة النبى – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – القرآن الكريم كل عام فى شهر رمضان على جبريل - عليه السلام – وعارضه فى العام الذى توفى فيه مرتين، والتلقى فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى قراءة القرآن الكريم، فلا تصح قراءة القرآن إلا بالتلقى من أفواه المشايخ بحيث يتلقاه شيخ عن شيخ، وجيل عن جيل، وقرن عن قرن. 

قال القاضى عياض بن موسى اليحصُبى المتوفى سنة 544 هـ فى كتابه "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع" ما نصه: 

(وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعيِّنةٌ لا بد منها، ولا يحل للمسلم التقى الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحقَّقَ ووثِقَ بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون ما ينظر فيه، فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتى يحقق ذلك) (10). ا هـ

أخرج أبو محمد الرامهرمزى فى "المحدّث الفاصل" بإسناده عن هشام بن عروة – رحمه الله تعالى – قال: قال لى أبى: أكتبتَ؟ قلت: نعم. قال: عارضتَ؟ قلت: لا. قال: لم تَكْتُبْ (11). اهـ

وأخرج ابن عبد البر فى "جامع بيان العلم وفضله" بإسناده عن يحيى بن أبى كثير، وعن الأوزاعى – فرَّقهما – قالا: مَثَلُ الذى يكتب ولا يُعَارِضُ مَثَلُ الذى يدخل الخلاءَ ولا يستنجى (12). اهـ

ويؤكد ابن الصلاح على جمع نسخ الكتاب الواحد لإثبات ما اتفقت عليه نظرا لاختلاف نسخ جامع الترمذى فى نقل كلامه على الحديث فى قوله: "هذا حديث حسن" أو "هذا حديث حسن صحيح" فيقول: 

(ينبغى أن تصحِّحَ أصلَك به بجماعةِ أصولٍ، وتعتمدَ على ما اتفقت عليه) (13). ا هـ

وأفاد المعاصرون أنه يستعان فى جمع مخطوطات الكتاب الواحد بالمصادر الآتية: 

1- كتاب تاريخ الأدب العربى للمستشرق الألمانى كارل بروكلمان، المتوفى سنة 1956 م وهو مؤلف باللغة الألمانية، ومنه نسخة بالألمانية بدار الكتب المصرية، وترجم الأجزاء الثلاثة الأُوَل منه إلى اللغة العربية: أ.د. عبد الحليم النجار. وترجم الأجزاء الرابع، والخامس، والسادس إلى العربية أيضا: أ.د. رمضان عبد التواب، أ.د. السيد يعقوب بكر. وتمثل الأجزاء الستة المترجمة إلى العربية قدر ثلث الكتاب الأصلى المكتوب بالألمانية. 

2- تاريخ التراث العربى للدكتور التركى فؤاد سزكين. 

3- فهارس المخطوطات لمكتبات العالم. 

4- سؤال أهل العلم المشتغلين بتحقيق المخطوطات، فعندهم علم بما لم يدون فى الفهارس. 

الأصل الثالث: تحديد النسخة الأم، ومقابلة الفروع عليها، والرمز لكل نسخة بحرف

نسخ مخطوطات الكتاب الواحد ترتب حسب الأهمية لانتقاء نسخة تكون أُمًّا، وباقى النُّسَخ فروع لها، ويراعى فى تقويم النسخ الاعتبارات والمقاييس والمعايير الآتية: 

(أ) قِدَم النسخة: 

ويعرف ذلك بالتاريخ المدوَّن فى آخرها، وبدهى أن النسخة التى بخط المؤلف هى أعلى النسخ على الإطلاق، وإن شئت فقل: هى النسخة الأم مطلقًا، يليها النسخة المقابلة على نسخة المؤلف، ويليها النسخة المقروءة على المؤلف، ويليها نسخة تلميذ المؤلف والتى كتبها فى حياة شيخه، ثم فرعها، ثم فرع فرعها وهكذا. 

وأفاد العلامة عبد السلام هارون: أن قدم التاريخ هو الأصل فى تحديد النسخة الأم وفروعها بشرط ألا تكون كثيرة التصحيف والتحريف أو الأسقاط، فإن لم يتحقق هذا الشرط فيها قدمت عليها النسخة الأحدث فصارت هى النسخة الأم لاشتمالها على صحة المتن، ودقة الكاتب، وقلة الأسقاط، أو مُجازة قد كتب عليها إجازات من علماء مشهورين. 

ثم قال ما نصه: (على أنه يجدر بفاحص النسخة أن يقف طويلا عند تاريخ النسخة، فكثير من الناسخين ينقل عبارة التاريخ التى تثبت فى العادة فى نهاية النسخة، ينقلها كما هى، غير مراعٍ للفرق الزمنى بينه وبين الناسخ الأول، فيخيل للفاحص أنه إزاء نسخة عتيقة على حين يكون هو إزاء نسخة كتبت بعدها بنحو قرنين من الزمان. وهنا يتحكم الخط والخبرة به، والمداد والخبرة به، واسم الناسخ الأول والثانى، فى تحقيق هذا التاريخ) (14). اهـ

(ب) النسخة الكاملة لا الناقصة: 

النسخة الكاملة هى الأم بخلاف النسخة القديمة الناقصة من أولها أو آخرها أو كثيرة الخروم، مع ملاحظة أن بعض العلماء يؤلف كتابه مرات لشدة تحريره؛ فيزيد فى بعض رواياته وينقص فى بعضها الآخر، كروايات الموطأ للإمام مالك - رحمه الله تعالى - فلينتبه إلى هذا. 

(ج) مكانة الناسخ فى العلم: 

إذا كان الناسخ من العلماء المعروفين فى الفن الذى هو موضوع الكتاب، فنسخته جليلة عزيزة؛ لأن علمه يقتضى دقته وتحريه، أما إذا كان الناسخ جاهلًا - ونسخته قديمة - فتقدم عليها النسخة الحديثة إذا كان ناسخها من العلماء المعروفين بالدقة والتحرى. 

أهدى الجاحظ نسخة من كتاب سيبويه إلى محمد بن عبد الملك، المعروف بابن الزيات (15)، وكان وزير أمير المؤمنين المعتصم بالله، فقال له ابن الزيات: أوظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟! فقال له الجاحظ: ما ظننت ذاك، ولكنها بخط الفرَّاء، ومقابلة الكسائى، وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ! فقال له ابن الزيات: هذه أجل نسخة توجد وأغربها (16). اهـ

وإذا تم ترتيب النسخ، وتحديد النسخة الأم، والنسخ الفروع، قابل بينها بواحد من منهجين: 

المنهج الأول: النسخة الأم:

فيثبت فى متن الكتاب نسخة الأم كما هى لا سيما إذا كانت نسخة المؤلف، ثم يثبت فروق الفروع فى الحاشية - وهو منهج القدامى من أهل الحديث - أو فى الهامش على منهج المعاصرين، مع التنصيص عند القدامى والمعاصرين على نسخة الزيادة أو النقص بالرمز إليها بحرف واحد أو حرفين بشرط بيان المراد بتلك الرموز فى أول الكتاب أو آخره لئلا يقع القارئ لرموزه فى حيرة وعَمًى، أفاده ابن الصلاح (17)

المنهج الثانى: النص المختار: 

فيثبت متن الكتاب ملفقًا من النسخ كلها على الصواب بزيادات كل نسخة، ويشير بالأرقام على كل زيادة أو نقص فى الأصل، ثم ببيان الرمز لموضع الزيادة أو النقص من النسخ مع التوجيه والترجيح والتعليل لما أثبته فى متن الكتاب. 

المبحث الثانى: خصائص التحقيق عند القدامى

يتميز تحقيق القدامى لكتب الحديث بالدقة البالغة فى انتقاء النسخ للكتاب الواحد، وفى المقابلة بينها كلمة كلمة، وجمع النسخ المشهورة للرواة المباشرين لصاحب الكتاب، نحو اعتماد اليُونِينِى - كما سيأتى إن شاء الله تعالى - على أشهر خمس نسخ وقعت له من صحيح البخارى، وكلها تنتهى بالفِرَبْرِى عن البخارى مباشرة، وبلغت قمة الإتقان عند اليونينى أنه قرأ صحيح البخارى على ابن مالك النحوى صاحب الألفية فى النحو تصحيحًا! وأتكلم هنا عن ميزتين: إحداهما: كيفية تخريج الساقط فى الحواشى. والثانية: العناية بالتصحيح والتضبيب. وذلك فى مطلبين بإيجاز.

المطلب الأول: كيفية تخريج الساقط فى الحواشى: 

إذا نسخ العالم أو الناسخ كتابًا من كتب الحديث، فإنه مهما أوتى من دقة تسقط منه كلمة أو جملة أو سطر مثلاً، فإن كَتَبَهُ بين الأسطر حصل تسويد والتباس للكتاب لا سيما عند كثرة الإلحاقات، ومن ثم اصطلح المحدثون أن يخط الكاتب خطًّا من موضع السقط صاعدًا به إلى فوق، ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة البياض الذى عن يمين الورقة؛ المعروف بالحاشية اليمنى، أو يعطفه إلى الحاشية اليسرى، تبعا لقرب السقط من إحداهما، وهو يشبه علامة أكبر مِن أو أصغر مِن فى علم الحساب هكذا: ?أو?، وتسمى علامة اللَّحَق - بفتح الحاء - ثم يكتب عند انتهاء كتابة الكلام الساقط المسمى فى اصطلاحنا باللَّحَق: صح، أو صح رجع، أو صح أصل، والمغاربة يكتبون فى آخر اللحق الكلمة المتصلة باللحق داخل الكتاب فى موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام. 

وينبغى التنبيه إلى أن خط اللحق يقع فى موضع السقط بين الكلمتين اللتين بينهما الساقط، أما إذا قصد الناسخ التنبيه على غلط، أو اختلاف رواية أو نسخة، أو شرح أو نحو ذلك، فإنه يخط خط التخريج فيقع على نفس الكلمة التى من أجلها كتب المخرج فى الحاشية، أفاده ابن الصلاح فى مقدمته (18)

وأنبه أن اللحق المكتوب فى الحاشية وعليه "صح أصل" يجب على المحقق إثباته فى متن الكتاب، فقد رأيت بعض المحققين اسمًا لا وصفًا يكتبه فى هامش المطبوعة ويقول: وجدت فى هامش النسخة كذا! مع أن المخطوطات ليس بها هامش، ويبدو أن صاحبنا هذا لا يعرف الفرق بين الحاشية والهامش!

روى الخطيب البغدادى فى "الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع" بإسناده عن الشافعى - رحمه الله تعالى - قال: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهد له بالصحة. (19) ا هـ

أقول: كانت المطابع قديمًا يقوم على تصحيح كتبها أساطين العلماء ويكتبون فى آخر الكتاب قائمة تصويب الأخطاء والسقط دليلًا على شدة التحرى فى الطبع، ولما تولى الطباعة اليوم تجار المطابع ومرتزقة المحققين، لم أرهم يكتبون قائمة التصويب، ويبدو أن السر فى ذلك أن الأخطاء صارت تعدل نعم الله فلا تُعَدُّ ولا تُحْصَى! وبعضهم يقول: تركتها لفطنة القارئ!

المطلب الثانى: العناية بالتصحيح والتضبيب: 

الناسخ لكتاب من كتب الحديث قد يبلغ من العلم درجة تمكنه من دقة النقل وفهم المعنى والدراية بفنون الفقه، واللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، لكنه يخشى أن يشك غيره فى كلمة أو جملة فى الحديث، وهى عُرْضَة للشك، فيكتب فوق الكلمة أو الجملة "صح" ليقول للقارئ: صحت روايةً ومعنًى، وأنه لم يغفل عن ذلك، وأنه قد ضبطه وصححه على ذلك الوجه، وتسمى "صح" بالتصحيح. 

فإذا ما تأكد من صحة الكلمة أو الجملة من حيث النقل والرواية والتحمل والأداء غير أنها فاسدة لفظًا أو معنًى، أو ضعيفة، أو ناقصة؛ مثل أن تكون غير جائزة من حيث اللغة العربية، أو تكون شاذة عند أهل الفن يأباها أكثرهم، أو مصحَّفَةً، أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر، أو يقع فى الإسناد إرسال أو انقطاع، وما أشبه ذلك، فيُمَدُّ على ما هذا سبيلُهُ خطٌّ، أوَّلُه مثل الصاد (صـ)، ولا يُلزَق بالكلمة المعلَّم عليها لئلا يُظَنَّ ضربًا، وكأن ذلك الخط صاد التصحيح بمَدَّتِهَا دون حائها، ليفرق بين ما صح مطلقًا من جهة الرواية وغيرها، وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها، فلم يكمل عليه التصحيح، وكتب حرف ناقص وهو الصاد على كلام ناقص، إشعارًا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته، وتنبيهًا بذلك لمن ينظر فى كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه، ولعل غيره قد يُخَرِّجُ له وجهًا صحيحًا، أو يظهر له بعد ذلك فى صحته ما لم يظهر له الآن، ولو غيَّره وأصلحه الناسخ باعتبار ظنه وفهمه المحدود، لوقع فيما وقع فيه غير واحد من المحققين المتجرئين الذين غيَّروا، وظهر الصوابُ فيما أنكروه والفسادُ فيما أصلحوه!

وتسمى الصاد بمدتها: التضبيب، أو التمريض تشبيهًا بالضَّبة المقفل بها، لكون الكلمة مُقْفَلة لا تتجه لقراءة، أفاده ابن الصلاح فى الأمر الثانى عشر من النوع الخامس والعشرين من أنواع علوم الحديث. (20) اهـ

المبحث الثالث

المثال التطبيقى للتحقيق عند القدامى "تحقيق اليُونِينِى لصحيح البخارى" 

التحقيق العلمى النموذجى الذى يُعَدُّ مفخرة للمحدثين القدامى هو تحقيق روايات صحيح البخارى على يد الإمام الحافظ شرف الدين، أبى الحسين: على بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِى (21)، المولود سنة إحدى وعشرين وستمائة، والمتوفى بدمشق سنة إحدى وسبعمائة (22) بلغ من إتقانه أنه قرأ صحيح البخارى على العلامة الإمام ابن مالك النحوى صاحب الألفية فى النحو تصحيحًا، وحدَّث بالصحيح مرات. 

أما فى باب المقابلة: فقد قابل الحافظ اليونينى بين خمس رواياتٍ من صحيح البخارى وتنتهى الروايات الخمس بالفِرَبْرِى المتوفى سنة 320 هـ عن الإمام البخارى، وهذه الروايات الخمس هى: 

الأولى: رواية الأصيلى؛ المتوفى سنة 329 هـ. 

الثانية: رواية الهَرَوى؛ المتوفى سنة 434 هـ عن شيوخه الثلاثة: الكُشْمِيهَنى؛ المتوفى سنة 389 هـ، والمُسْتَمْلِى؛ المتوفى سنة 376 هـ، والحَمُّويى؛ المتوفى سنة 381 هـ. 

الثالثة: رواية أبى الوَقْت؛ المتوفى سنة 553 هـ وهى أصل سماع اليُونِينِى. 

الرابعة: رواية السَّمْعَانِى؛ المتوفى سنة 562 هـ. 

الخامسة: رواية أبى القاسم ابن عساكر؛ المتوفى سنة 571 هـ. 

قابل اليونينى بينها مقابلة دقيقة جدًّا، وذكر مواضع الاتفاق والاختلاف بين هذه الروايات، والرمز لكل رواية بحرف من اسم صاحبها، والرموز عنده نوعان: 

رموز أصلية للأصول التى وقف عليها، ورموز فرعية للدلالة على الحذف والإثبات فى روايات أبى ذر الهروى عن شيوخه الثلاثة. 

وهذه رموزه للأصول التى وقف عليها مع أصل سماعه لرواية أبى الوَقْت: 

- (ه): رمز لأبى ذر الهَرَوى. 

- (ص): رمز للأصيلى. 

- (س): رمز لابن عساكر. 

- (ظ): رمز للسمعانى، وأخذه من لفظ الحفظ لحفظه وإتقانه. 

واختار رمز (ه) إذا اتفق مشايخ أبى ذر الثلاثة، فإذا اختلفوا رمز لكل واحد برمز خاص به: فرمز (حـ) للحمُّويى، ورمز (سـ) للمستملى، ورمز (هـ) للكُشْمِيهَنِى. 

وإذا اتفق اثنان منهم رمز لهما هكذا: 

- (حهـ) للحمويى والكشميهنى. 

- (حسـ) للحمويى والمستملى. 

- (سهـ) للمستملى والكشميهنى. 

وإذا كانت النسخة الأصلية لليونينى لا يعرف مكانها اليوم على التحديد، فإن الطبعة السلطانية التى أمر السلطان عبد الحميد الثانى سنة 1311 هـ بطبعها بتصحيح مشيخة الأزهر برئاسة شيخ الأزهر حسونة النواوى، الذى كوَّن لجنة لهذا العمل الجليل من ستة عشر عالمًا من فحول علماء الأزهر الشريف. 

أقول: إذا كانت نسخة اليونينى غير متداولة اليوم، فإن الطبعة السلطانية تحاكى النسخة اليونينية، وهى تمثل قمة الإتقان فى المقابلة، والطباعة، والمحافظة على كل كلمة بل على كل حرف فى صحيح الإمام البخارى، وطبعت سنة 1313 هـ. 

وقامت جمعية المكنز الإسلامى بإعادة نشر الطبعة السلطانية؛ وذلك بتصويرها ونشرت معها نص جدول الخطأ والصواب الخاص بالشيخ محمد بن على المكاوى، أحد كبار المصححين فى المطبعة الأميرية. 

ثم قامت جمعية المكنز الإسلامى بربط أرقام صفحات هذه الطبعة السلطانية بطبعتهم لصحيح البخارى فى طباعة فاخرة بألمانيا، تقبل الله منهم، وزادهم من فضله. 

هذا، وقد كتب أخونا الدكتور جمعة فتحى عبد الحليم عزوز بالتفصيل عن روايات اليونينى فى رسالته للعالمية بمكتبة كلية أصول الدين بالقاهرة، وعنوانها: "الاختلاف بين روايات الجامع الصحيح ونسخه - دراسة نظرية تطبيقية". 

المبحث الرابع: خصائص التحقيق عند المعاصرين

تتلخص خصائص التحقيق عند المعاصرين فى قسم الدراسة، وخدمة النص - متن الكتاب - والخاتمة والفهارس العلمية، وأشير إلى هذه الثلاثة فى المطالب الثلاثة الآتية: 

المطلب الأول: الدراسة "مقدمة التحقيق"

وفيها يتناول المحقق المعاصر المسائل الآتية: 

1- وصف عصر المؤلف من النواحى السياسية، والاجتماعية، والعلمية، ليتوصل منه إلى أن المؤلف عاش فى هذا العصر فتأثر به وأثَّر فيه، كالنبات الذى يتأثر بالمناخ. 

2- الترجمة للمؤلف. 

3- بيان منهج المؤلف فى عرض المادة العلمية لكتابه محل التحقيق والدراسة. 

4- دراسة تحليلية لبعض موضوعات الكتاب التى تمثل قضية أو مشكلة فى الفن. 

5- وصف النسخ الخطية، وبيان منازلها، وتوثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه. 

6- الدراسات السابقة، وبيان أهمية الكتاب عند أهل الفن. 

المطلب الثانى: خدمة نصوص الكتاب: 

وهذه الخدمة فى هوامش صفحات تشبه فى بعض وجوهها الحاشية فى عمل المحدّثين القدامى، حيث كانت تشتمل على حل إشكال، أو التنبيه على فائدة مهمة متعلقة بالكتاب، أو احتراز، أو رمز، أو خطأ، لكن هذه التعليقات لا تكثر عند أصحاب الحواشى، بخلاف خدمة نصوص الكتاب عند المحققين المعاصرين؛ فإنها تنتظم المسائل الكثيرة الآتية: 

1- الترجمة للأعلام المذكورين فى متن الكتاب، كل عَلَم من مظانِّ ترجمته، فقيهًا كان أو لغويًّا، أو صوفيًّا، أو محدّثًا، أو مفسرًا، أو وزيرًا، أو شاعرًا... إلخ. 

2- تخريج الآيات، والأحاديث، والأشعار، والأمثال العربية. 

3- شرح الغريب وضبط ما يُشْكِل من أمهات المعاجم، وغريب الحديث، وكتب ضبط الأعلام. 

4- التعريف بالأماكن والبلدان، وشرح النِّسَب، والمصطلحات العلمية. 

5- توثيق النقول الواردة فى كلام المؤلف من مظانها فى شتى العلوم الشرعية، والعربية والتاريخية، وغيرها، وذلك من أمهات مصادر ومراجع كل علم عند أهله. 

6- نقل الكتاب ونسخه بالإملاء الحديث، والتزام علامات الترقيم لتسهيل قراءة الكتاب، ولئلا تلتبس الآية بكلام المؤلف، فما كل قارئ للكتاب حافظ للقرآن. وأنبه أن علامات الترقيم تشبه عند المحدّثين القدامى وضع دارة خالية الوسط عند آخر الحديث، فإذا قابل الحديث بنسخة أخرى نقطها فى وسطها علامة المقابلة من ناحية، ومن ناحية أخرى للفصل بين كل حديثين، ونظيرها الفاصلة بين كل آيتين فى القرآن الكريم. 

كما عرف القدامى أيضًا تحديد الكلام المنقول عن الغير؛ بقولهم فى آخره: انتهى كلام فلان، أو آخر كلام فلان، أو هذا قول فلان. وشاع فى المؤلفات المتأخرة رمز: (ا هـ) الذى هو اختصار: انتهى. 

المطلب الثالث: الخاتمة والفهارس العلمية: 

يختم المحقق تحقيقه بذكر نتائجه ومقترحاته لا تلخيص موضوعات الكتاب، وذلك تحت عنوان: الخاتمة. 

ثم يتبعها بالفهارس العلمية، وأولها فهرس المصادر والمراجع، الذى استقى منه المحقق تعليقاته فى هوامش الكتاب، وسائر فهارس الآيات - الأحاديث والآثار - الأعلام - الأماكن والبلدان - القوافى والأشعار - فهرس الموضوعات وهو آخرها مطلقًا.

المبحث الخامس

المثال التطبيقى للتحقيق عند المعاصرين "تحقيق جمعية المكنز الإسلامى لمسند الإمام أحمد"

من المعلوم عند المشتغلين بالحديث أن المسند المطبوع بالمطبعة الميمنية بمصر مليء بالأخطاء، فجاءت جمعية المكنز الإسلامى بتحقيقه تحقيقًا انفردت به عن كل طبعات المسند على الإطلاق، وذلك بمقابلته على ثمان وثلاثين نسخة بين كاملة وناقصة؛ منها أربع نسخ كوامل فى الجملة، وتفردوا بست عشرة نسخة يطبع عليها المسند لأول مرة، ولهذا استدركوا الأحاديث التى سقطت من جميع النسخ المطبوعة. 

وقوَّمت الجمعية المذكورة النسخ كلها ورتبتها حسب أهميتها ومنزلتها بناء على الاعتبارات العديدة الآتية: 

1- إسناد النسخة.

2- قِدَم تاريخ نسخها. 

3- علامات المقابلة.

4- إلحاق السقط. 

5- الفروق المثبتة على حواشى بعض النسخ. 

6- بلاغات السماع، والقراءة، والإجازة. 

7- المكانة العلمية للمقروء عليه، وللسامعين، والمجازين.

8- تملكات بعض أهل العلم. 

9- نسبة الأخطاء أو التحريفات فى الجملة. 

10- تمام النسخة أو القطعة الموجودة من النسخة. 

واختارت نسخة ابن عساكر أوثق النسخ وأدقها للمسند، كما استعانت فى المقابلة أيضًا بالمصادر الوسيطة - وهى كثيرة - نحو: إطراف المسنِد المعتلِى بأطراف المسند الحنبلى، وإتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة كلاهما للحافظ ابن حجر، وجامع المسانيد والألقاب لابن الجوزى، وجامع المسانيد والسنن للحافظ ابن كثير، حيث أورد هؤلاء الحفاظ أحاديث المسند للإمام أحمد بأسانيدها ومتونها. 

قامت جمعية المكنز الإسلامى بالمقابلة الدقيقة بين النسخ الثمانية والثلاثين مع الاستعانة بالمصادر الوسيطة فى مواضع الحاجة، وأثبتوا النص الراجح المختار فى صلب الكتاب، ومن قرائن الترجيح عندهم ثبوته فى أكثر النسخ وأصحها وأوثقها، وغيرُها من قرائن الترجيح، وذكروا فى الهوامش أهم فروق النسخ مع التعليل لما رجحوه بالقرائن التى تقتضى الترجيح. 

وضبطوا أحاديث المسند سندًا ومتنًا ضبطًا كاملًا مع التنصيص على الضبط الذى وجدوه فى النسخ الخطية. 

وفى التعليق على الأحاديث: شرحوا غريب الحديث، وضبطوا ما يحتاج إلى ضبط أو إعراب. 

وأشرف على تحقيق المسند إشرافًا علميًّا مع المراجعة التفصيلية شيخُ شيوخنا العلامة المحدِّث الكبير الذى لم نر مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، صاحب الفضيلة والاحترام، الأستاذ الدكتور: أحمد معبد عبد الكريم، إضافة إلى تحكيم ثلاثة عشر عالمًا متخصصًا فى الحديث وعلومه. 

وطبعوا المسند كاملا بعد نقصانه فى اثنى عشر مجلدًا، زيادة على مجلدين آخرين مفردين لتخريج أحاديث المسند من الكتب الستة والموطأ؛ لأن التخريج يُعَدُّ توثيقًا لنصوصه سندًا ومتنًا، واتبعوا فى التخريج الإحالةَ على كتب الأطراف؛ نحو تحفة الأشراف، وإطراف المسنِد المعتلِى، وإتحاف المهرة، والعزوَ إلى أرقام الأحاديث فى الكتب الستة. 

شكر الله لهم، وسقاهم من حوض نبينا شربةً لا ظمأ بعدها أبدًا، آمين. 

وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأُمِّى، وعلى آله وصحبه وسلم. 

وكتبه بخطه خويدم السُّنَّة المشرفة أ. د رضا بن زكريا بن محمد بن عبد الله حميدة الأزهرى، ووقع الفراغ من تبييضه فى ليلة الثلاثاء العاشر من صفر سنة 1433 هـ الموافق الرابع من يناير سنة 2012 م والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. 

 

  العودة لصفحة المؤتمر 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) انظر: مقدمة ابن الصلاح، النوع الخامس والعشرون: فى كتابة الحديث، وكيفية ضبط الكتاب، وتقييده. وتذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم، الباب الرابع: فى الأدب مع الكتب. لمؤلفه بدر الدين بن جماعة، المتوفى سنة 733هـ. 

  (2) يتزعمهم د. صلاح الدين المنجد فى " نقد النصوص" له. 

  (3) انظر: أصول نقد النصوص ونشر الكتب ص 11 - 12. 

  (4) انظر: مقدمة ابن الصلاح ص386 - 387 (النوع الخامس والعشرون " السادس عشر"). 

  (5) السنن الكبرى للبيقهى 8/346، 350. 

  (6) انظر: تحقيق النصوص ونشرها للعلامة عبد السلام هارون ص 46. 

  (7) انظر: البداية والنهاية للحافظ ابن كثير 11/8. 

  (8) انظر: تحقيق النصوص ونشرها ص 46. 

  (9) انظر: تحقيق النصوص ونشرها ص 46. 

  (10) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 158 - 159، وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 375. 

  (11) المحدث الفاصل بين الراوى والواعى ص 544 ( باب المعارضة ) ورواه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله، باب فى معارضة الكتاب. الحديث (448، 449) 1/336. 

  (12) جامع بيان العلم وفضله 1/337 حديث (450، 451). 

  (13) مقدمة ابن الصلاح ص 181 (النوع الثانى). 

  (14) تحقيق النصوص ونشرها ص 38 - 39. 

  (15) توفى ابن الزيات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، قتله الخليفة المتوكل على الله بشر قتلة. ا هـ انظر: تاريخ بغداد 3/144 - 146 (1162)، البداية والنهاية 10/295، 313، 324 - 325. 

  (16) انظر: إِنْبَاهُ الرُّواة على أنباء النُّحَاة للوزير جمال الدين، أبى الحسن: على بن يوسف القِفْطى 2/351 تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم

  (17) انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 371 (السادس)، ص 384 (الرابع عشر) من النوع الخامس والعشرين. 

  (18) انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 378 - 380 (النوع الخامس والعشرون، الأمر الحادى عشر). 

  (19) الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع 1/279 (591). 

  (20) مقدمة ابن الصلاح ص380 - 382. 

  (21) اليُونِينِى: نسبة إلى قرية "يُونِين" بضم الياء، وكسر النون الأولى - إحدى قرى بَعْلَبَكّ - بفتح الموحدة، وسكون العين المهملة، وفتح اللام والموحدة، وتشديد الكاف - فى لبنان. ا هـ معجم البلدان 5/453. 

  (22) انظر: ترجمة "اليونيني" فى: تذكرة الحفاظ 4/1500، الدرر الكامنة 3/58 (2856).